عبدالوهاب الفايز
oo الأزمات والمواقف الصعبة أصبحت تكشف حسابات التواصل الاجتماعي؛ فهذه فيها الكثير المثير الخارج عن القانون والعرف والأخلاق، وهي أقرب إلى (سوق الحراج)؛ إذ تعرض بوفرة الأشياء غير النافعة، وفيها القليل المفيد المتواري خلف الركام، وفضاؤها المفتوح يجعلها فاقدة المصداقية، ولا يمكن أن تكون قائدة للرأي العام، بل مفسدة للناس، ووسيلة فعَّالة لتهييج الجماهير.
في الخلاف القطري الخليجي انطلقت الكثير من الحسابات والمعرفات المشبوهة التي تصب الزيت على النار. والمتتبع لبعض الحسابات يجد فيها (نفس الشماتة!)، وروح الانتقام من الخليج وأهله، ونرى عبارات وشتائم سوقية، يترفع عنها أغلبنا ممن لديه الحد الأدنى من الأدب والخلق؛ فالخصام وارد ومتوقع، ولكن الفُجْر في الخصومة يرقى للمحرمات. ومن يخشى الله، ويستثمر في أخلاقياته وسمعته، لا يعطي نفسه المساحة التي تفضي إلى الخصومة التي لا تعرف الحدود، حدود الدين والأخلاق والأدب.
نعم، خلافنا مع حكومة قطر كبير، وله مبرراته القانونية والأخلاقية، وما أقدمت عليه حكومة قطر من دعم الإرهاب والخراب يهدد أمننا وأمن المنطقة، ويجعل إخواننا في قطر يواجهون الظروف الصعبة عليهم وعلينا، وما أقدمنا عليه نرجو أن يكون فيه (الخيرة، وحسن العاقبة)، ويكون فرصة لأن نخرج جميعًا بالدروس والعِبر.
ربما يحضر الآن في الذهن الدرس الأكبر لنا جميعًا، وهو ضرورة أن نحصّن دولنا من الدخلاء، أصحاب الأيديولوجيات، وأصحاب المشاريع السياسية والدينية والإعلامية، الذين يطلبون السلطة والثروة، والذين ينشطون الآن في حسابات التواصل الاجتماعي، مثل خلايا عزمي بشارة؛ فمثل هؤلاء في أسلوبهم الفج جعل الناس يكتشفونهم ويحذرونهم.
فأصحاب الدكاكين السياسية، الذين افتتحوا الآن الحسابات والمواقع الإلكترونية للمتاجرة بالخصومة وعرض الخدمات والعضلات، أمثال هؤلاء، عانينا في سنوات مضت من ابتزازهم؛ إذ اتخذوا العواصم الغربية منطلق تجارتهم الإعلامية عبر إنشاء الجرائد والمجلات ودور النشر التي تخصصت في نشر القصص والفضائح المختلقة عن الخليجيين وقياداتهم وبلادهم.
لقد قضينا على ابتزازهم عندما تركناهم ومشاريعهم يتحدثون مع أنفسهم، ونحن الخليجيين عرفنا الأولوية في تركيز جهدنا وثرواتنا في بناء بلادنا؛ فهذا هو الضامن الأكبر لاستقرار الجبهة الداخلية، وأحداث الربيع العربي أكدت لنا من جديد سلامة سياسات البناء والتعمير التي استهدفت الداخل.
وهذا الذي كنا نتمناه لإخواننا في قطر، كانت أمنيتنا أنهم تعلموا من نجاحات وإخفاقات إخوانهم في الشأن الداخلي والخارجي، وأبرز إخفاقاتنا الخارجية كانت في دخولنا كمصلحين ومتوسطين في الخصومات والمنازعات التي اكتشفنا متأخرين أنها خصومات أضرتنا، ولا تخدم مصالح الشعوب. وهذا ما يضر قطر الآن، ويجرها إلى مستنقع الخصومات السياسة والحزبية، والتحالفات العسكرية التي سوف تخل بمقومات الأمن والسلام في المنطقة، وتؤزم المشاكل التي يمكن حلها في الإطار الخليجي العربي؛ فالتحركات القطرية غير المحسوبة، مثل استدعاء الأتراك، والاستقواء بإيران، والتقارب معها، والاستفزاع بالأحزاب والمنظمات الإخوانية وغيرها، تعكس حالة إدارة الأزمات التي تضعها في الموقف الصعب الذي تمر به الآن، وتجعلنا نتجرع معها الدواء المر الذي لا مفر منه.
كنا نتمنى لإخواننا في قطر مسارًا إيجابيًّا يأخذهم بكل طاقتهم وجهدهم لأجل بناء بلادهم، وتحصين مستقبل أجيالهم، يستثمرون الثروات التي بين أيديهم بما يخدمهم، هم أولاً، ويخدم مستقبلهم.
قطر كان بيدها فرصة لأن تستفيد من تجربة جيرانها في مجالات التنمية والبناء، وفي إدارة شؤون الحكم؛ ليكون مستجيبًا للاحتياجات الوطنية الأساسية؛ فالنقلة التنموية في قطر كانت الأحدث في التجربة الخليجية؛ لذا كان أمامها الكثير لكي تستفيد وتتعلم منه، ونرجو أن يتحقق ذلك، ونرجو أن نرى قطر قوية عزيزة رافعة الرأس بيننا، وسندًا قويًّا لوحدتنا واتحادنا.