جاسر عبدالعزيز الجاسر
تجاوبت الجماهير في إيران من مختلف القوميات والمذاهب مع وقائع المؤتمر السنوي العام للمقاومة الوطنية الإيرانية الذي عُقد في باريس في اليوم الأول من يوليو / تموز.
هذا المؤتمر الذي أصبح مناسبة سنوية والذي يشارك فيه العديد من الشخصيات السياسية والفكرية والدولية من مختلف العالم، تميز هذا العام بمشاركة جميع القوى الإيرانية المعارضة، وإن كان التميز والحضور الأهم والأكبر لجماعة مجاهدي خلق، كونها الأقدم والأكثر صلابة واستمرارية في مقاومة نظام ملالي إيران الذي يعتمد نهج ولاية الفقيه، البدعة التي يرفضها جميع المسلمين.
وقائع المؤتمر تمت في باريس وردود الفعل وتوابع وتأثيرات كلمات المشاركين في المؤتمر ظهرت وتجسدت في ميادين وشوارع المدن الإيرانية من الشمال والشرق والجنوب والغرب، فقد حرص الإيرانيون ومن مختلف الملل والقوميات على متابعة المؤتمر وسماع كلمات المشاركين وبالذات كلمة رئيسة المقاومة الوطنية الإيرانية السيدة مريم رجوي والتي حملت مضامين عديدة حددت فيها المشاكل التي تحاصر نظام ولاية الفقيه ومعاناة الشعوب الإيرانية وكيفية التخلص من هذا النظام الجائر الذي يجثم على صدر الشعوب الإيرانية وبشرت السيدة مريم رجوي الإيرانيين بأن شمس التغيير على إيران قد أشرقت وأن النظام الحاكم يعيش حالة مرتبكة عاجزة أكثر من وقت آخر، فالمجتمع الإيراني يغلي بالاستياء والنقمات الشعبية. والمجتمع الدولي اقتنع أخيراً بحقيقة أن المهادنة مع نظام ولاية الفقيه سياسة خاطئة، وقد تأكد لجميع الإيرانيين أولاً وللدول المجاورة لإيران وللأسرة الدولية جمعاء بما فيها الدول الأوروبية وأمريكا التي كانت تهادن النظام الجائر، بأنه لإقرار الحرية في إيران ولتحقيق السلام والأمن في المنطقة يجب تحقيق ثلاثة أشياء:
أولاً العمل على إسقاط نظام ولاية الفقيه.
ثانياً: إمكانية إسقاط هذا النظام الذي يتآكل من داخل بعد تفشي الخلافات بين عناصره.
ثالثاً: وجود بديل وطني وديمقراطي ومقاومة منظمة للإطاحة بهذا النظام الذي يتميز بالاستبداد المذهبي، وتشرح رئيسة المقاومة الوطنية الإيرانية كيفية تحقيق تلك الأشياء بفهم ما يجب عمله وهو أولاً الرد على ما يجب فعله حيال نظام كان سبب تكبيل وقمع الإيرانيين ومصدر الحروب والمجازر في المنطقة.
والسؤال هو هل هذا النظام قابل للإصلاح؟ كلا لأن من بين 38 عاماً من عمر النظام كانت دفة الحكومة على مدى 20 عاماً بيد المزعومين «الإصلاحيين» لكنهم لم يقدموا شيئاً سوى تقديم الخدمة لولاية الفقيه.
هل منح تنازلات لهذا النظام وتقديم الامتيازات يجعله يغير سلوكه؟ كلا لأن الإدارات الأمريكية والحكومات الأوروبية جربت عشرات المرات هذه الأساليب خلال العقود الماضية.
وهل يمكن تحجيم واحتواء هذا النظام؟ كلا لكون هذه السياسة التي وصفوها أو الاحتواء، كانت في الحقيقة تعمل كرادعة لاتخاذ سياسة حازمة ضد النظام. فالمحصلة والنتيجة وتمام الحقيقة هي التي أكدتها المقاومة الإيرانية منذ البداية وهي ما توصل إليه كثيرون في العالم بأن الحل بل الحل الوحيد هو إسقاط نظام ولاية الفقيه.
والحقيقة الثانية هي أن إسقاط نظام ولاية الفقيه أمر ممكن وفي المنظور.
لأن هذا النظام محاصر باستياء شعبي واسع وحسب تصريح قائد قوى الأمن، جرت في العام الماضي قرابة أحد عشر ألف تظاهرة وتجمع احتجاجي في عموم البلاد.
انظروا إلى العائشين في القبور، وإلى جيوش العاطلين عن العمل البالغ عددهم عشرة ملايين وإلى عشرين مليوناً من سكان العشوائيات ونسبة الجياع التي تشكل 30 % من سكان البلاد.. الملالي محاصرون من قبل هؤلاء. واعترف المرشحون لمسرحية الانتخابات المؤيدون من النظام نفسه، بأن من يحكم البلاد هو 4 % من السكان على 96 % من أبناء الشعب المقهورين. نعم خلافاً لدعايات النظام فإن أكبر خطر يهدد النظام ليس العدو الخارجي، وإنما هو الانتفاضات المتربصة بالنظام في عمق المجتمع الإيراني.
الحقيقة هي أن إسقاط نظام ولاية الفقيه، أمر ممكن وفي المنظور لأسباب عدة تعود إلى عجز النظام منها:
عجز النظام في احتواء الانهيار الاقتصادي والكوارث البيئية وعجزه في توفير أبسط مطالب الشعب المغلوب على أمره، وعجزه في الحصول على القنبلة النووية وكذلك عجزه في لم شمل أركان نظامه.
إسقاط الملالي ممكن، لأنهم ورطوا أنفسهم في ثلاثة حروب استنزاف في الشرق الأوسط، وفي حال خروجهم منها بأي شكل كان يتعرض كيانهم للخطر.
وأما الحقيقة الثالثة، فوجود البديل الديمقراطي ووجود قوة التغيير.
قوة هذا البديل تكمن في تحويل الحالة المتأزمة إلى ظروف إسقاط النظام ففي العام 2009 كانت هذه القوة هي التي شكلت النواة الرئيسية للانتفاضات وحولت الشعارات من «أين صوتي» إلى «الموت لمبدأ ولاية الفقيه». ومنذ شهر تموز من العام الماضي فإن هذه القوة رفعت راية المقاضاة من أجل مجزرة السجناء السياسيين التي وقعت قبل 29 عاماً، لتجعلها النقطة المحورية في السياسة الراهنة وفي مسرحية الانتخابات الأخيرة جعلت شعار «لا للجلاد ولا للمحتال» شعاراً، جماهيراً، بحيث أرقت شعبية هذا الشعار مضاجع خامنئي ولي الفقيه ليرفع صراخه لاستبدال مكانة الشهيد بالجلاد، حسب قوله.
نعم، حان وقت فضح الجلادين، إلى أن يحين وقت محاسبتهم أمام الشعب الإيراني بإذن الله.