د. محمد بن يحيى الفال
السادس والعشرون من شهر رمضان 1438هـ، الموافق 21 يونيو 2017م شهدت بلادنا ومعها العالم يوماً تاريخياً بكل المعايير محصلته انتقالا سلساً لولاية العهد ودستورياً كما وصفه الكثير من المعلقين الغربيين وغيرهم، ورأينا على شاشات التلفزيون مقدار المحبة والاحترام وصفاء النفوس التي جمعت بين كل من صاحبي السمو الملكي الأمير محمد بن نايف وبين الأمير محمد بن سلمان. كانت الصورة معبرة وصادقة تعجز الكلمات عن وصفها كونها أرسلت رسالة لا غبار عليها ولا لبس فيها بأن بلادنا موحدة وتنعم باستقرار يضرب جذوره في أرضها المباركة التي شرفها المولى سبحانه وتعالى بأن تكون حاضنة وخادمة لمقدسات المسلمين في مكة المكرمة والمدينة المنورة ولتسقط كل التخُرصات الرخيصة الساعية بلا كلل أو ملل لتحقيق رغباتها المسمومة والحاقدة على حياة الأمن والهدوء والسكينة التي نعيشها بحمد الله ومنته في محيط يُتخطف الناس فيه من حولنا من صراعات ونزاعات دامية لم تبق ولم تذر.
تاريخياً، قامت الدولة السعودية الأولى في الدرعية على يد الإمام محمد بن سعود بن مقرن ( 1744-1818) ويمكن وصفها بدولة التأسيس العقائدي للدولة بين الإمام وبين الشيخ محمد بن عبدالوهاب، الأسس العظيمة المتمثلة بالحكم بما أنزل الله وهي الأسس التي أثبتت التجارب بأنها كانت وما زالت مصدر العزة والنصر والتي لم تتخلى عنها الدولة السعودية الثانية التي جمع شتاتها الإمام تركي بن عبدالله (1819-1891)، وليأتي الإمام الموحد عبدالعزيز بن عبدالرحمن ليؤكد عليها ويجعلها دستوراً لا تحيد عنه قيد أنمله بدءا من فتحه للرياض وهو شاب يافع لم يتجاوز من العمر الستة والعشرون عاماً ( 1319هـ-1902م) وحتى أن من عليه المولى سبحانه وتعالى بتوحيد بلادنا المترامية الأطراف والمتصارعة لبلد أضحى مثالا للأمن والرخاء وذلك خلال حقبة زمنية لا تتجاوز عقود تُحسب بأصابع اليد الواحدة. ومنذ بدايات التوحيد على يد الملك المؤسس رحمه الله في الخمسينات الهجرية وحتى الآن كان لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز دور أساسي في كل ما يتعلق بالشأن الداخلي والخارجي للمملكة. والشاهد على ذلك والذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخطيه العين هو جهوده الجبارة والتي تعتبر معجزة بكل المقاييس والمتمثلة في نقل الرياض من مدينة صغيرة بأحياء يستطيع المرء أن يسرد أسماءها في عُجالة إلى أحد أهم حواضر عالمنا المعاصر، إنها العاصمة الرياض التي خدمها خادم الحرمين الشريفين لأكثر من خمسين عاماً لتصبح ما نراها الآن على ما هي عليه من تطور وجمال وتنمية. ومع ارتباطه الوثيق بكل تفاصيل الشأن الداخلي لم يثنه ذلك عن أن يضحى مُلماً وباقتدار بكل المتغيرات الإقليمية والدولية من واقع تجربته الثرية بعلاقات مميزة مع كافة قادة العالم. بكل هذه الخبرات الداخلية والخارجية نتج عنها كما يمكن قراءته بأنه رأي ومن تجاربه بأن المملكة في حاجة ماسة لخطط اقتصادية وتنموية تتلاءم مع المستجدات الداخلية والخارجية، خطط طموحة يكون محركها الأساسي هو تحقيق التنمية المستدامة (Sustainable Development )، تنمية قادرة على استحداث وظائف وفرص عمل باستمرار بغض النظر عن الزيادة المضطردة في عدد السكان. ووجد خادم الحرمين في الأمير محمد بن سلمان الحيوية والطاقة والمقدرة والرغبة والجرأة والتجربة لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية. بلادنا ولعقود عديدة اعتمدت على دخل البترول في تنفيذ خططها التنموة هو أمر في المُجمل كانت له نتائج غاية في الإيجابية نراها في التنمية التي شملت البلاد من أقصاها إلى أقصاها، بيد إن الأوان قد حان وبسبب عوامل عدة منها تذبذب أسعار النفط والنمو الداخلي المتسارع في استخدام النفط لتوليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه جعل من الضرورة ملحة لإيجاد بدائل اقتصادية أخرى لدعم ميزانية الدولة وهو الأمر الذي يسعى الأمير محمد بن سلمان لتنفيذه واتضح من زيارته التاريخية للاتحاد الروسي والتوقيع معه على اتفاقية لتنفيذ محطات لتوليد الطاقة النووية لاستخدامها في توليد الكهرباء وتحلية المياه. كذلك رأى سموه أهمية نقل التكنولوجيا من مصادرها إلى المملكة وكان نتيجة ذلك زيارة استمرت لأكثر من شهر للولايات المتحدة الأمريكية لتوقيع شراكة مع كُبرى الشركات الأمريكية في مجال الصناعات البرمجية والمعلومات الحاسوبية وتكنولوجيا المعرفة، وبذكاء اقتصادي فطن سموه لأهمية تنويع التعاون الاقتصادي مع دول العالم فقام بتوقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية مع كل من اليابان والصين إضافة إلى ضخ الكثير من الاستثمارات الضخمة في هذين البلدين اللذان ينعمان ببيئية استثمارية آمنه ومتنامية.
هناك العديد من التجارب التي تؤكد مقدرة الشباب على الإنجازات الاقتصادية، هناك تجربة تمت وأثبتت نجاحها وهي تجربة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، وتجربة في طور التنفيذ وهي تجربة الرئيس الفرنسي المنتخب حديثاً إيمانويل ماكرون. فالرئيس بيل كلينتون يُعد ثالث أصغر رئيس تولى رئاسة الولايات المتحدة لفترتين رئاسيتين (1993-2001) وعندما استلم السلطة كانت الولايات المتحدة تعاني من عجز قياسي وغادر السلطة تاركاً الخزينة الفيدرالية الأمريكية تنعم بفائض مالي غير مسبوق. ولعل تجربة الرئيس الفرنسي المنتخب حديثاً تجربة تستحق الدراسة والتوقف عندها، فهذا الشاب الذي لم يتخط التسع والثلاثون من العمر استطاع الفوز كمستقل بالانتخابات الرئاسية الفرنسية من خلال وعوده الاقتصادية، وليؤسس حزب الجمهورية إلى الأمام ( En Marche )، ليكتسح به مقاعد البرلمان الفرنسي متخطياً أحزاب فرنسية عريقة كالحزب الاشتراكي والحزب الجمهوري.
كل المؤشرات تؤكد بأن بلادنا تسير نحو مستقبل مشرق، مستقبل يستضيء بماضي تليد ورجال ونساء يعشقون ثرى هذه الأرض الطاهرة المباركة ويضعون عزتها ورفعتها وتقدمها على رأس اهتماماتهم، أما المرجفين والمشككين فلن يزيدوا بلادنا إلا وحدة وتضامن ولتصدق المقولة الشهيرة فيهم «القافلة تسير والكلاب تنبح».