خالد بن حمد المالك
حذرنا قطر في أكثر من مقال، من خطورة أن تمضي الأيام سريعاً دون تجاوب منها مع مطالب الدول الأربع المملكة والإمارات والبحرين ومصر، وكنا - ربما- أكثر خوفاً على قطر من شيوخها، وأقرب منهم في الشعور بالمسؤولية لإنقاذ البلاد من محنتها، وتجنيبها مزالق الطريق الخطأ الذي تسلكه الآن في عناد وجهل.
* *
كنا نخاف من أن نصل إلى اليوم الأخير دون بارقة حل يصدر من الدوحة بالإعلان عن قبول شروط وطلبات الدول الأربع، وكان مصدر خوفنا أننا نعلم بأن القرار ليس بيد أمير قطر الشيخ تميم، وأن البلاد مكبلة بقوة خارجية وداخلية تتآمر معاً ضد قطر، وامتداداً ضد دول مجلس التعاون ومصر.
* *
وما كنا نخشاه، ونحذر منه، وننادي بتطويقه، حدث، بما يصعّد من الخلاف، وينقل المعركة إلى مرحلة أخطر وأصعب، متجاوزة مراحل التهدئة، والحلول المناسبة، وضاربة بعرض الحائط لكل ما طرحته الدول الشقيقة من مطالب لحل الخلاف، وعودة قطر إلى حضن الخليج الدافىء.
* *
فمن المسؤول عن جر دولة قطر إلى هذا المستنقع، وقد كانت كل الفرص لإنقاذها متاحة لها قبل أن يصل الفأس إلى الرأس، إن لم يكن شيوخ البلاد الذين استسلموا للأجنبي، ومنحوه حق مصادرة القرار القطري المستقل وقبلوا بما يملى عليهم، شركاء في هذه النهاية المأساوية للحبيبة دولة قطر.
* *
فقطر بهذا التخبط، وبهذه التصرفات، وحيث لا زالت تعتقد أنها قادرة على المناورة كما كانت تفعل من قبل، هي قطر التي تعاني الآن من العزلة، ومن الضياع، ومن الغرق في التحديات الخطيرة التي تواجهها، مع استمرارها في التصاعد يوماً بعد آخر، دون تراجع من شيوخها، أو محاولة منهم لتجنيب البلاد أخطاراً كثيرة منتظرة ضمن قائمة هذه التحديات.
* *
نعم نحن نخاف على مواطني قطر، هم أهلنا، وقطر بلادنا، ودول الخليج نسيج اجتماعي واحد، وأسرة تربطها وتجمعها عوامل كثيرة مشتركة: النسب والأرض والتاريخ والعادات والجوار، وكثير من الروابط التي لا تسمح لنا بأن نقف متفرجين أمام وضع صعب وخطير تمر به قطر وشعبها الحبيب.
* *
ومع أننا لا نستغرب أن يكون هذا هو غير موقف أمير قطر من تطور الأحداث التي تمس مصالح قطر، لكونه مسلوب الصلاحيات سواء من والده أو من حمد الجاسم، أو من تنظيم الإخوان المسلمين، إلا أننا نتساءل: كيف لدولة كقطر أن تسمح لنفسها بالقبول لأن تكون ضحية لإيران أو تركيا أو إسرائيل، في مقابل أن تبتعد عن أشقائها دول مجلس التعاون ومصر، ومن هذا الذي يرسم لها هذه السياسة الرعناء إن لم يكن هم هؤلاء.
* *
اقبلوا بشروط الأشقاء، اكشفوا ولو في هذه المرة عن الوجه الجميل لقطر، وافتحوا الطريق أمام حل لا يلقي أي ضرر عليكم، بل ينقذكم من هذا الاحتلال البغيض لبلادكم سواء من الإخوان المسلمين أو من القواعد العسكرية الأجنبية التي تفاخرون بوجودها على أرضكم في زمن تخلت الدول المحترمة عن أي قواعد أجنبية فيها.
* *
ونصيحة لكم من محب، لا تجروا قطر إلى أكثر مما حدث لها حتى الآن، وحكّموا عقولكم ولو لمرة واحدة، وانظروا إلى مستقبل قطر فيما لو استمرت مؤامراتكم وإرهابكم ضد أشقائكم، وخذوا الدروس من واقعكم اليوم مقابل ما كنتم عليه قبل المقاطعة، وانظروا إلى ما يمكن أن تصل إليه قطر من بؤس ووضع مأساوي صعب فيما لو استمرت الحالة على ما هي عليه.
* *
نريد منكم أن تغيروا اتجاه بوصلة استشاراتكم من عدوكم وعدونا إلى أشقائكم إلى المملكة والإمارات والبحرين ومصر، فهذه هي الضمانة لمستقبلكم الجميل ولغدكم الأفضل، ولن تتحقق آمالكم وتطلعاتكم إلا بهم، وبتعاونكم معهم، وما عدا ذلك فلن تنجو قطر من المحاسبة على ما اقترفته من جرائم بحق أشقائها.
* *
هل نحن على خطأ حينما ندعو قطر إلى كلمة سواء، نذيب بها كل ما أصابنا من ضرر، ومسنا من سوء، وعرّض أمننا للخطر، بإرهاب مكشوف، ومؤامرات موثقة، وتدخل في شؤوننا الداخلية، دون أن تُلقي بالاً لنصائحنا، لاحتجاجاتنا، ولرفضنا لهذا السلوك القطري الخبيث، الذي كان وما زال يعرّض سلامة أراضينا ومواطنينا لأفدح الأخطار.
* *
نحن في اليوم الأخير من الأيام العشرة التي حددت لكي تتجاوب قطر وتعلن القبول بشروط الدول الأربع، كمقدمة لعودة العلاقات معها إلى طبيعتها، والدوحة تعلم جيداً أنه لا تفاوض ولا تنازل عن أي بند من البنود الثلاثة عشر التي حددت كي يتم فتح صفحة جديدة من العلاقات القطرية مع كل من المملكة والإمارات والبحرين ومصر.
* *
ترى هل ستكون قطر على قدر المسؤولية، فتتعامل مع اليوم الأخير بغير ما تعاملت به مع الأيام التسعة التي انقضت، وكان نشاطها محموماً في التواصل مع دول العالم بحثاً عن إنقاذ يحفظ ماء الوجه القطري، ويعيد كل شيء إلى ما كان عليه، ولكن دون تقديم أي التزامات أو تنازلات من الدوحة، وكأنها مغيبة عن الواقع، وليست على دراية بما يمثله موقفها من أن عدم تجاوبها، إنما يدفع بالدول الشقيقة إلى التصعيد أكثر في مواقفها.
* *
أنا لا أعوّل كثيراً على حمد بن خليفة وتميم بن حمد وحمد بن جاسم في التجاوب مع مطالب الدول الأربع الشقيقة من دولة قطر، انطلاقاً من معرفتي بأنهم ليسوا أصحاب قرار، فالقرار داخلياً بيد عزمي بشارة وتنظيم الإخوان المسلمين الذي يقوده القرضاوي، وخارجياً في عاصمتي إيران وتركيا، وجهات أخرى كثيرة تتنازع القرار القطري المباح لكل من هب ودب.
* *
إذاً نحن نتحاور مع من ليس بيده القرار، فقطر ضائعة أمام تنازع سلطة القرار بين شيخوها من جهة، والقوى الفاعلة على الأرض القطرية وخارجها من جهة أخرى، مما عقّد المشكلة، حيث تحتاج قطر لتجميع آراء كل هؤلاء، وأخذ موافقاتهم، وهو - ربما - لا تكفيه الأيام العشرة ولا السنوات العشر القادمة.
* *
لهذا فإن الدول الأربع ليس أمامها مع هذا الموقف القطري المتخاذل، إلا أن تمارس حقها في التصعيد، للضغط على الدوحة كي توقف إرهابها ومؤامراتها وتدخلها العدواني في شؤون هذه الدول الداخلية، ولابد أن هذه الدول قد حددت مسار تعاملها مع قطر بعد انقضاء الأيام العشرة، بما سيمس مفاصل الدولة بعقوبات جديدة.
* *
وكنا نود لو أن الدوحة بدلاً من البكاء والنياح وذر الرماد في العيون ولطم الخدود للتأكيد على أنها دولة محاصرة من جيرانها، مع استمرارها في شراء المواقف الدولية والإعلامية لدعم ما تدعيه من ظلم لحق بها منذ قطع عدد من الدول علاقاتها الدبلوماسية معها، كنا نود لو أنها اختصرت جهدها ووفرت مالها بقبول شروط الدول الأربع، بما في ذلك إعطاؤهم الضمانات التي يطلبونها، وما عدا ذلك، فالدوحة إنما تضيع الوقت، ولا تستفيد من الفرص، ولا تتعلم دروساً من هذه الأحداث.
* *
أنا شخصياً متشائم، وليس عندي أي أمل أتوقعه في الوقت الحاضر لحل المشكلة القطرية، وإن كنت أراهن مع صدور الكثير من القرارات التصعيدية ضد قطر، أنها في المستقبل قد ترضخ، وتقبل بما ترفضه اليوم، فليس أمامها من فرص غير هذا الخيار، إلا إذا كانت تتجه نحو الانتحار، وكل شيء ممكن أن يفعله شيوخ قطر.