د. محمد عبدالله الخازم
كان ذكر النحل بوصفه مصدرًا اقتصاديًّا، وكائنًا يمرض ويعالج، يُعتبر أمرًا نادرًا. النحالون بعددهم المحدود يجتهدون بطرقهم التقليدية في تربية النحل وإعداد عسله للبيع. وزارة الزراعة تقدم لهم إرشادًا محدودًا عبر مناحل محدودة.
بدأ متحمسًا، من أين يبدأ وهو السعودي صاحب التخصص العلمي الجديد في البلاد. هل يبدأ من معمله ليخدم شغفه العلمي، ويصل أعلى المراتب الأكاديمية عبر البحث العلمي؟ أم يبدأ بالعمل التنظيمي على المستوى الوطني؟ أم يبدأ بخدمة أصحاب المهنة النحالين، الذين يعنيهم تنمية صناعتهم وأدواتهم البسيطة التي تخدم إنتاجهم واقتصادياتهم الشخصية والأسرية؟ أم يخدم المجتمع الذي يعاني الثقة في بعض منتجات العسل؟
لم يطل به التفكير كثيرًا؛ إذ تعلم أهم قاعدتين ستخدمانه على مدى عقدين من الزمان: البعد عن المناصب الإدارية؛ لأنها مشغلة وتعيق تحقيق بعض الطموحات حينما تغرق في البيروقراطية والصراعات الإدارية. وهو يقول في هذا الشأن: لم أسعَ إليها، ولم تأتني؛ فكان ذلك خيرًا لي. القاعدة الثانية: لا بد أن تعمل في خطوط متوازية (البحث العلمي، التنظيم، خدمة المجتمع.. إلخ). سيأتي وقت يتقدم فيه مسار على الآخر، أو يتعثر مسار دون الآخر.. لكن في النهاية هي مكملة لبعض، وسيخدم كل منها الآخر.
هكذا بدأ مشروع تربية النحل والصناعة الناتجة من مخرجاته يأخذ وجهًا آخر بالمملكة. خلال عقدين من الزمان أسست أول جمعية تعاونية للنحالين بالمملكة، وأصبح هناك كرسي أبحاث في مجال تربية النحل ومنتجاته، نتج منه عدد من الرسائل العلمية والأبحاث وبراءات الاختراع التي مثلت المملكة، وفازت في المحافل الدولية العلمية. أصبحت المملكة عضوًا وقائدًا في الاتحادات العربي والآسيوي والعالمي وغيرها من الجمعيات العالمية المتخصصة في المجال. أسست استراتيجية وطنية لتربية النحل وصناعة منتجاته، ودفع بمسودة نظام تربية النحل واستيراده ومنتجاته من العسل وغيره؛ ليتم تبنيها من قِبل وزارة الزراعة ومجلس الشورى، وإقرارها من مجلس الوزراء. أصبح هناك مهرجان دولي ومؤتمر علمي سنوي يصاحبه الفقرات الترفيهية والمجتمعية، وغدا أحد المهرجانات السياحية الصيفية التي يزورها مئات الآلاف سنويًّا. أصبح هناك معهد لتدريب ودعم النحالين الجدد، ومعمل لفحص العسل ومنتجات النحل الأخرى. فتح الطريق للآخرين ليصبح هناك أكثر من جمعية تعاونية وأكثر من مهرجان للعسل وأكثر من باحث متميز على مستوى الوطن في هذا الشأن.
العبرة هنا: الإيمان بقضية التخصص ومثابرة العمل والإخلاص يمكن أن تصنع الكثير.. وأستاذ هذا المقال قدَّم ما يتثبت ذلك في مجال تخصصه. الفكرة الإيجابية تنجح حينما يعمل على تطويرها بشغف وإخلاص وتواضع، وحينما تجد تقدير المسؤول ودعمه لها.
دعكم من «كل أخ بأخيه معجب»؛ فأنا أكتب عن صاحب المبادرات أعلاه، عن أستاذ كرسي باحث وصاحب براءات اختراع في مجاله، يمثل المملكة في جمعيات عربية وقارية وعالمية، عن عضو مجلس الجمعيات التعاونية والسعودي المكرم خليجيًّا بوصفه أحد رواد العمل التعاوني الخليجي.
البروفيسور أحمد الخازم شكرًا على جهودك المتنوعة.. شكرًا لما تقدمه للنحالين ولمواسم السياحة بالباحة.. شكرًا للنموذج الذي تقدمه بوصفك أستاذًا مهنيًّا شغوفًا بمجاله، ينتج في الميدان كما ينتج في البحث والأكاديمية.