د. حمزة السالم
سوق التمويلات عندنا سوق حديثة، وثقافة المجتمع بشتى شرائحه في هذا الباب ثقافة سطحية بدائية وفي كثير من الأحيان تكون مبنية على معلومات وتصورات خاطئة. والبلاد أمامها طريق طويل ومهم في هذا الباب، والتخلف في صناعة التمويل ما هو إلا استهلاك لموارد الدولة والضغط على موارد البترول وتعطيل للاستثمارات.
حوار عابر مع «خبير حكومي» قادني إلى كتابة هذا المقال. لم أكن أتصور مقدار هوة الفجوة في مفهوم المسؤولية الائتمانية والاستثمارية بين منظور الحكومة ومستشاريها ورجال الأعمال ورجال الدين من جهة وبين المواطنين من جهة أخرى. يقول الخبير وهو يحكي السياسة العامة الملحوظة عندنا بقوله «ما لنا شغل بالمواطن ما أحد قال له يقترض وعليه أن يميز العقود التي يوقع عليها!!!.»
النظرة إلى التمويلات بأنها قروض (بالمفهوم القديم للقرض) وحداثة ثقافة التمويلات في بلادنا أخرت ظهور أنظمة وهيئات تحمي حق المواطن في هذا الباب وتراعي كذلك واقعية العمل البنكي وديناميكية السوق النقدية والتمويلية. الأنظمة التي تطبقها مؤسسة النقد في غالبها تمنع البنوك والمؤسسات المالية من الدخول في مغامرات استثمارية والتأكد من موافقة المتطلبات البنكية الدولية بينما لا تنظر إلى الجهة الأخرى المقابلة للبنك وهو العميل. والأولوية عند مؤسسة النقد هو حماية البنوك لا المواطن. ولا توجد لدنيا صحافة مالية نقدية واعية وناضجة وواقعية.
لهذا فليس عندنا أنظمة تؤمن الحماية للمواطن من الاستغلال، كل ما عندنا هو مجموعة أنظمة تمنع البنوك والمؤسسات المالية من الدخول في مغامرات استثمارية إلا أن تحتاط لنفسها فتتأكد أن المواطن هو من سيدفع ثمن هذه المغامرات، فلا بأس حينها. وعندما انفجرت فقاعة الأسهم - التي خلقتها طفرة التمويلات الاستهلاكية - تخلى الجميع عن المسؤولية وحُمّلت على المواطن، الغريب على ثقافة الائتمان والتمويل والجاهل بالاستثمار.
ولا توجد في بلادنا هيئة رقابية مالية واحدة تحمي المواطن على عكس الغرب، فما أكثر الهيئات الرقابية المالية في أمريكا والتي توفر الكثير من الحماية للمواطن. ومع ذلك فقد أنشئت حديثا في أمريكا «هيئة حماية المستهلك المالية» consumer financial protection bureau» ومن مهامها تجديد أنظمة الرهن العقاري لكيلا تتعدى البنوك والشركات التمويلية على المواطن بحجة الأزمة المالية الماضية ولكي تضمن ديناميكية تسييل القروض وبيعها على نحو لا يضر بالسوق التمويلية فيتعدى ضرره للمواطن، وما ذلك إلا لأن ضرر الظلم المالي والاستثماري للفرد أو المنظمة هو ضرر متعد على المجتمع برمته. ووجود التوازن بين الجهات الحكومية ضمان للجودة والشفافية ويخدم الصالح العام.
فهم أصل المشكلة والاعتراف بها هو البداية لحل كثير من المشاكل المعلقة عندنا. وأصل المشكلة هو أن علم هندسة التمويلات وفنونها وحيلها ومفاهيمها وعلاقاتها وتداخلها مع الأسواق والاقتصاد والثقافات علم سهل ممتنع وهو نادر في العالم عموماً وفي السعودية خصوصاً. وهذا العلم له نواح مختلفة ومتعلقات كثيرة تدخل في السوق النقدية والمالية والاقتصاد الكلي والجزئي، أضف إلى ذلك الصيرفة الإفلاسمية وما فيها من الضبابية والصورية والفوضى، فإذا أضفنا لذلك بدائية خبرة المجتمع الحديثة بالتمويلات، ندرك أسباب عدم إحساس المجتمع بالخطر القادم وعدم إدراكه للضرر والغبن الذي هو واقع فيه في عالم التمويلات. ولذلك أيضاً نحن لا نستفيد من كثير من التسهيلات الحكومية المالية ونضيع كثيرا من الفرص المتوفرة اليوم بسبب وفرة الفوائض، ونتكلف الكثير بسبب إضاعتنا للمعامل التضاعفي من الإنفاق الحكومي، وكل ذلك على حساب استهلاك العوائد النفطية وتجميد الخبرة السعودية من الانطلاق في فهم عالم التمويلات والاستفادة منه والحيطة منه.