علي الخزيم
لم تفاجئني الحركة الدائبة والحضور الكبير من مسؤولي وأطباء مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون بالرياض مساء يوم عيد الفطر المبارك، حيث قادتني حالة طارئة دون موعد إلى قسم الطوارئ بالمستشفى، لم أندهش بما رأيت لأني سبق وأن عايشت الحالة قبل هذه المرة، غير أني لمزيد من الإعجاب أنقل الصورة بأمانة كنموذج للقامات المخلصة التي تدير منشآتنا ومؤسساتنا الطبية وغيرها من الجهات الخدمية بصفة عامة، لكن المثال المشاهد مباشرة يكون هو الأبلغ والأكثر حضوراً بالذهن.
فحينما كان الناس في قمة فرحهم وجَذَلهم بمراسم العيد السعيد؛ كان هناك طائفة من العاملين بتخصصي العيون على رأسهم المدير العام التنفيذي للمستشفى الدكتور عبد العزيز الراجحي وثلة من الأطباء يساندهم فريق تمريضي متكامل، وبحضور قوي من إدارة التشريفات والعلاقات العامة، كان الجميع يعملون بهمة ونشاط وقد تناسوا أن الليلة ليلة أول أيام العيد، فامضوا جلَّ ليلهم متنقلين بين أروقة التنويم بالمستشفى لتقديم الورود والحلويات للجميع حتى من قدموا مثلي بحالة طارئة، وبفضول إعلامي تتبعت الأمر إعجاباً وفخراً بأبناء بلدي ممن بلغوا هذه المرحلة العالية من التقدّم العلمي بمجال تخصصهم ثم بلغوا هذه القامة الرائعة من حسن الخلق والتواضع والتجوال بين المرضى للاطمئنان عليهم ومشاركتهم احتفالية العيد، فعرفت أنهم لم يكتفوا بهذا الحد من النبل والتفاني، بل إنهم قد أعدوا لحفل جميل لمنسوبي المستشفى والعاملين كأمسية احتفالية بالعيد.
في الاستقبال عند حضوري ومن برفقتي نالنا نصيب من الورد الأحمر فرحت به كطفل تغمره السعادة بلعبة جميلة أو حلوى يحبها، الورد في نظري لا يمكن رده أو مقاومته، حملت الوردة معي بحرص وعناية إلى المنزل وقدمتها إلى أسرتي الصغيرة، وأكدت لهم ما يجول بمشاعري بأنها من أبلغ الهدايا المُعبرة لا سيما إذا جاءت من أناس لا يأملون من ورائها شيئاً، وقلت لهم: للورد جملة من العناوين الباسقة وسطور مُذهبة من التعبير الراقي ولغة لا تدركها سوى الأنفس الأبية الزكية، فلنتأملها إذا طُرِّزت بعبارات التهاني بالعيد ممن يقومون على علاجك بأي مستشفى أو مصحة، وكان الأنسب أن أحمل الورد معي إليهم لمعايدتهم بأماكن عملهم، إلاَّ أنهم سبقونا بحسن المبادرة ولطيف التعامل المُهذَّب، فتحية إكبار وإعجاب وتقدير لكل صنيعهم لا حرمهم الله الأجر على ذلك.
وصفت لكم الورد؛ لكنكم لم تشاهدوا قوالب الحلوى الفاخرة التي قُدّمت لنا كمراجعين للمستشفى تلك الليلة، فحينما فوجئت بها أمامي سحرني شكلها الأخَّاذ وحجمها المغري، فعلمت أنها من درجة مختارة بعناية أو كما يقولون (ماركة)؛ فكسرت قواعد اللباقة واختطفت قطعة أخرى على عجل، وقد يحسبونها غلطة عفوية؛ على تقدير (أنه ليس على مريض العيون من حرج).
من هذه المناسبة وأمثالها نتعلّم أن الكلمة الطيبة الرقيقة وما يصاحبها من هدية رمزية يوم العيد للكبار والهدايا المناسبة للصغار؛ تحمل المعاني الكبيرة والدروس البليغة فلا تُقاس الهدية بالحجم، لكن المعاني تملك القلوب.