تواجهنا في هذه الحياة أمور ومشاكل ومصاعب وكذلك تصادفنا شخصيات كل شخصية لها نمط معين فنحتاج إلى التعامل معها بطريقة معينة، فأحياناً كثيرة وفي بعض المواقف نلجأ إلى الصمت عندما يعجز اللسان عن الحديث، وتعجز الجوارح عن التعبير، يكون الصمت هو المعبر الوحيد عما يشعر به الإنسان. فالصمت رسالة إنصات للوجود، وهو شعور فريد، لا يتقنه الكثيرون. وفي بعض الأحيان يكون الصمت خيرٌ من الكلام، لقول الرسول -صَلَّى الله عَليه وَسلم-: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت».
يا لهذا الصمت القاتل أحياناً كيف يحرقنا.. كيف يؤلمنا كيف يقلقنا كيف يجعلنا في حالة من الحيرة لا نعرف من خلالها أنحن على حق أم لا؟.. ليت شعري هل يواصلني المعنى ويعبر عما في وجداني؟ ليت شعري هل يستطيع أن يعبر عما يخالج فؤادي؟.
صمت خيم على الوجدان فأضطرب.. نعم صمت وما أدراك ما نوع صمتي، حقيقة ما أضعفنا نحن البشر حينما نكون محتاجين بشدة لشيء ولا نستطيع تحقيقه. ما أضعفنا حينما يدخل قلبنا الشوق والحب ويتمكن منا.
ما أضعفنا حينما نريد الحديث وتمنعنا عبارات تقف عاجزة عن توضيحها. فينوب الصمت وبذلك نجد أنفسنا نقول (وماذا بعد صمتنا؟).
ألم تسأل نفسك لماذا نحن في مواضع كثيرة نصمت وبشدة. لا تنكر أننا نحتاج إلى تلك اللغة التي ربما تكون تبادل خبرة وتبادل آراء دون حديث. يا لها من لغة سامية لا يعرفها ولا يقدرها إلا من كانت شعاره في حياته. نحن بالفعل نحتاج إلى الصمت في حياتنا وفي أوضاعنا وخاصة من كان حساساً يملك مشاعر فياضة. نعم نحتاجه عن كتم غضبنا. ولكنه في أحيان كثيرة سبب ضعفنا وكثيراً ما ضاعت حقوقنا بل وأبسطها. ألم تسأل نفسك أحياناً ما تأثير ذلك الصمت عليك وعلى الآخرين. أقول لكل منا أسلوبه وتوقيته مع الصمت، فهناك ظروف تجبرنا على استخدام تلك اللغة. حيث يختلف الأشخاص في التعبير عما يدور في خواطرهم.
لغة الكلام تعبيري
لغة الصمت شعاري
لغة العيون سهامي
لغة الرسم رمزي
ألستم معي في ذلك؟ سؤال يخالجنا جميعاً لماذا نصمت؟ ومتى نصمت؟ نحن بالفعل نصمت أحياناً خوفاً من أن تفضحنا كلماتنا خوفاً من أن تخوننا عباراتنا خوفاً من أن تفهم خطأ من الآخرين خاصة حينما تكون قسمات وجهنا وملامحنا فاضحة.. نحن نشتاق ونتلهف بحرقة كي نناقش شخصاً ما في موضوع معين نريد أن نأخذ ونعطي معه لأنه يفهمنا يقدر مشاعرنا يحس بنا حتى ولو كان بعيداً عنا.
نشتاق للحديث معه نتردد في البداية ولكن حينما نراه يتبدل حالنا ومشاعرنا تبرد أطرافنا ترتعد فرائصنا تتسارع دقات قلوبنا يتلعثم صوتنا تخوننا عباراتنا.. تنقلب ألوان وجهنا بكل ألوان الطيف ولا نشعر إلا ونحن صامتون لا نستطيع التفوه ولو بكلمة.. نصمت في مثل هذه المواقف غير المتوقعة لأننا لم نكن نتوقع سماع صوت هذا الإنسان أو رؤيته، أو من هول المفاجأة ولسان حالنا يقول:
خطرات ذكركِ تستثير صبابتي
فأحس منها في الفؤاد دبيبا
لا عضو لي إلا وفيه صبابة
فكأن أعضائي خلقن قلوبا
نصمت لكي نفكر كيف نرد على الآخرين أو بأي أسلوب؟.. نصمت لكي نفكر هل الكلام مناسب في هذا الوقت. نعم نصمت لأن الكلمات لا تسعفنا في التغيير عن الشكر والامتنان وكأننا نقول:
شكرت جميل صنعكمُ بدمعي
ودمع العين مقياس الشعور
نصمت بإرادتنا أحياناً لأننا لا نريد أن نخسر أعز وأقرب الناس إلينا لأننا نخشى أن نتفوه بكلمة تحت ظروف عصيبة فتحدث شرخاً كبيراً في علاقتنا فتؤدي بها إلى النهاية نصمت لأننا نريد الاحتفاظ بكرامتنا أحياناً.
نصمت وهذه هي المتعة الحقيقية من صمتنا لكي نستمع بصوت من نحب وسماع أخباره ومعرفة كل شيء عنه..
نصمت لنتأمل من نحب لأن صدقه وصراحته يجبراننا على أن نعامله بهذا الأسلوب الراقي.
نصمت لأننا نبحث عن أجمل وأرق العبارات لكي نصفه بها لأنه أسرنا بروحه الحلوة.
أليس في صمتنا بعد ذلك -لغة- أي لغة. نعم مشاعر فياضة وعواطف مكنونة وأحاسيس مدفونة تكمن في قلوب صامته.. نعم يقف الكلام على حافّة الصمت فينتهي.. للصمت هيْبَة تُدركونها جيداً في حضرة ما لا يستحق الكلام. حقيقة يحتاج المرء إلى سنة تقريباً ليتعلم الكلام، لكنه يحتاج إلى سنين ليتعلم لغة الصمت.
نعم ما أروع اجتماعها في شخصياتنا. فهلا جعلنا الصمت ينوب عن الكلام.. جرب وأنت الحكم.
ها هي مشاعرنا...
ها هي عواطفنا...
نعبر عنها بأي لغة.
بكلامنا. أم بنظراتنا.
بصمتنا وأي صمت.
لغة وما أجملها من لغة.