د.خالد بن صالح المنيف
رجلٌ يتزاحف للخمسين إن لم يكن اقتحمها بعد، أنهكته البدانةُ وقد جاوز الحدودَ فيها كثيرا، قابلته في مناسبةٍ دون معرفة سابقة، لفت نظري ظرافةَ طبعه وعفوية حديثه وجمالَ روحه وخفةَ ظله, لو قُدّر لك أن تجلس إليه أياما ما أحسست مللا ولا ضجرا, كان كما يقول اللبنانيون رجلٌ ( مهضوم) طلق الوجه فكه الحديث, يحكي الطرفة بتلقائية ومعها كان أيضا لا يتوانى عن التعليق عن نفسه بكل أريحية!
وكان من أعجب ما قال قصة وقعت له في رحلةٍ علاج عندما تعلق قلبهُ بإحدى الممرضات وبادلته الشعور وحدثها عما في قلبه واتفقا على الخروج من المستشفى خلسة وأن يلتقيا في أحدِ الأماكن العامة ليضعا الخطوطَ العريضة للزواج، يقول: امتطيت المهالكَ واقتحمت المخاوفَ وتحايلت حتى خرجت من المستشفى بقميص المرضى، واستقليت سيارة أجرة ميممًا نحو الحبيبة بشوق الظمآن لبارد الشراب وبحنينِ الشيخ لزمن الشباب حتى وصلت لمكان اللقاء, وكانت الحبيبةُ قد سبقتني, وقبل النزول من السيارة تبادلنا النظرات والآهات، وأشارت إلي براحة يدها وبادلتها الإشارة بقبلة طبعها على راحة يدي ثم أرسلتها لها معبرا عن شوقي وحبي, بعدها توقفت التاكسي وهممت بالخروج وكانت المفاجأة! فلم أستطع الخروج وحاولت مرة ومرة حيث إنني قد علقت داخل السيارة -حجمه يعادل ثلاثة رجال- والقلب عالق مع الحبيبة, تجمع المارة علي وحاولوا سحبي ولكن هيهات هيهات, واستبطأت الحبيبة حبيبها فأتت تستطلع الأمر, وهالها ما رأت وبقيت تتابع الوضع بحسرة والذي لم يحسم إلا عبر حضور مهندسين من وكالة سيارة التاكسي، حيث أتوا بمناشيرهم ؛ فقاموا بنشر السيارة حتى يتسنى للعاشق الخروج، خرجت ولكن العشيقة يبدو راجعت حساباتها فغادرت دون عودة!
كانت تلك إحدى قصصه ومغامراته العجيبة التي حكاها في تلك المناسبة!
مضينا لتناول العشاء, وهالني ما رأيتُ عندما أخرج من جيبه عددا كبيرا من العقاقيرِ ولم يتناول مما على المائدة الممدودة إلا النزر اليسير!
سألته إن كان يشكو من علة؟ فتشكلت ابتسامة على وجهه المشرق وقال: إن أغلب أعضائي معتلة وإني منظومة أمراضٍ تتحرك!
واسترسل وقال: الأطباءُ أخبروني منذ عشرين سنة أنه قد قربَ وقت رحيلي– والأعمارُ بيد الله- ولكنني متشبثٌ بالحياة وأحبها - والكلام له - وأنا رجلٌ بسبعة أرواح! وقال في معرض نصائحه: هل تريد أن تتعرف على أهم وسيلة لإطالة العمر وجلب السعادة وتجنب الاكتئاب وأمراض القلب والشرايين والقرحة والأرق؟! فأجبت: أرجوك أسعفني بها!
قال: خذها مجانا وإليكم ما قال بتصرف: اضحك في موطنِ الضحك وابكِ بلا خجل إذا احتجت لهذا، واشكِ همّك لمن تستريح إليهم, واهزم همومكَ بالاستعانة بالله ثم بمواجهتها, وطهّر قلبكَ من الكراهية والرغبة في الانتقام ممن أساءوا إليك, اغفر الزلةَ وتغمد الهفوة، ولا تندم على ما فات ولا على ما لم يكتب لك ولا تعضّ عليه يدا ولا تقرع من أجله سنا، وعش حياتك باعتدال, ولا تسرف في التفكير في المستقبل على حسابِ الحاضر، عش لحظتك ويومك، ودونك القناعة فارض بما قسم الله لك واقنع بما قضي لك!
روحٌ ما رأيت مثلها وأحسبُ أن السرَ في عمره المديد في حفظ الله له أولا ثم في روحه الطيبة!
من سنواتٍ كتب رجاءُ النقاش قائلا: لن يستشعرَ بشرٌ السعادة دون أن يملكَ عقلا ضاحكا!
ويرمي الأديبُ الكبير إلى أن العقل الضاحك هو ذلك الذي يدعو للفرح وللحب والاستمتاع بالحياة؛ فالثقافة السوداوية والكتاب الحزين والقصيدة الباكية تضر بأصحابها وتحرمه متعة الحياة!
العقلُ الضاحك يجعلك تقبلُ على الحياة وتحبها بل وصانعًا للسعادة ومصدرا لها, العقلُ الضاحكُ يهدي صاحبه قلبا ساكنا وبالا مطمئنا!
العقلُ الضاحك يقوي الثقةَ بالنفس, ويعطي إحساسًا جميلا بأن الصعابَ تحت السيطرة, وأن المواقفَ العسيرة يمكن اجتيازها، بالعقل الضاحك لن تسمح لحادثةٍ عنيفة ولا لهمّ مؤلم ولا لتعبٍ ثقيل ولا لمرضٍ موجع بأن يستولوا عليك وأن يحرموك َمن حقكِ الصريح في أن تحيا حياةً سعيدة كريمة، بالعقل الضاحك ستدرك أن لكل إنسان أيا كان حاله نصيبهُ من السعادةٍ والشقاء، فلا ثمة حياةٌ كاملة، وإنما هناك دائماً سعادة وشقاء وآلام وأفراح؛ فما تستطيع تغييره مما ساءك أمره فعليك بذلُ الجهدِ والطاقة لتغييره وما لا تملك تغييره فليس أمامك سوى احتماله وهذه هي شجاعة الحياة الحقيقية التي تسمو فوق كل رتب الشجاعة.
ومضة قلم
السعيد هو من يدرك أن ما أعطاه الله أكثر بكثير مما فقده