الفنان التشكيلي يعد شاهدا وموثقا لا يختلف عن الروائي والقاص حينما يوظف تجاربه لتسجيل الواقع جماليا وتفاعل مع الأحداث الإنسانية عربيا وعالميا، كما فعلها ويفعلها الفنان التشكيلي صالح النقيدان، حيث يجمع في لوحاته أضلاع التوثيق بين المكان والزمان والوقائع، رسم البيئة بصدق معبرا عن تفاصيلها المرئية وغامسا فرشاته في أعماق وأبعاد عناصرها..
عندما ترى أيا من لوحاته تعرف أنها من محافظة عنيزة أو من القصيم فأصبحت علامات بارزة في مسيرته.. يرسم بإحساس الفنان العاشق للأرض والمنتمي للوطن.. مع ما كان يلتقطه بعين المبدع وعقل المنتمي في كل خطوة يخطوها في تجاربه الفنية، وقفات وطنية برزت في التعبير عن كل ما يتعلق باعتزازه بوطنه ارضا وقيادة..
يتميز الفنان صالح النقيدان بقدراته في التعامل مع الفكرة حسب ما تتطلب من سبل التنفيذ أسلوبا أو معالجات لونية.. يلامس بها وينتقي من كل بحر من بحور الفن ومدارسه، فنجد من لوحاته ما أبدعه بالسريالية وأخرى تجريدية وانطباعية مع تمسكه بأسلوبه الواقعي الذي انتشرت به لوحاته على مستوى المنطقة لقربها من مشاعر المقتنين على مختلف ثقافاتهم وأعمارهم تنتقل معهم من جيل إلى جيل، ينثر شذاها في كل معارضه التي يقيمها في كل منطقة من مناطق المملكة.. ويكفيه فخرا أن وصفه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني الذي وصفه بفنان التراث إعجابا بما شاهده سموه من أعمال الفنان صالح التي استلهمها من تراث الوطن عامة وعن محافظة عنيزة بشكل خاص.
يأتي معرضه هذا في الكويت الشقيقة ممثلا للعلاقة العميقة تاريخيا وإنسانيا بين البلدين وما نعيشه من علاقات سياسية تحت مظلة قيادتين حكيمتين تجمعهم علاقات أزلية تتقدمها العلاقات الأسرية بين شعبي الوطنين نسبا ومحبة.. لقد أكد الفنان صالح أنه متابع وعاشق لكل تفاصيل الجمال في تراث الكويت فكانت مصدر إلهام له من كل جزء على أرض الكويت ومجتمعا الثابت من موروث ومن العادات والتقاليد التي لا زال أبناء الكويت متمسكين بها. ويسرنا أن نقتطف بعضا من كلمة الفنان صالح النقيدان في مقدمة كتاب معرض القادم في الكويت والذي حمل عنوان الكويت بعيون سعودي (الكويت وما أدراك ما الكويت كنت منذ صغري مولعا بالتراث وكان ما يعرض في تلفزيون الكويت من بيوت قديمة وعادات وتقاليد وحرف قديمة وعنايتهم بها مما زادني شوقا وأيضا قرب تلك الموروث لموروث بلدي عنيزة حتى اللباس يسمى الثوب الذي نرتديه كويتي ولبس الغتره نفس طريقة وضعها على الراس وارتباط أهل عنيزة بالكويت من قديم الأزل ووجود عوائل كبيرة من أهلنا هناك وزادني تعلقاً بالكويت وجود فنانين تشكيليين يمارسون تلك المهنة الجميلة التي أمارسها بشغف واكتسبتها من معلمي الأول والدي رحمه الله ومن ثم تطورت هذه الهواية إلى أن أصبحت كل شيء بالنسبة لي وصار لدي مخزون تراثي جيد أستطيع من خلاله أرسم العديد من الأعمال التي تبين لجيلنا الجديد مدى أصالتنا وعمق تأثرنا بهذا الموروث الذي أصبح ثروة لأجيالنا القادمة ونبين لهم أن كل هذا التطور الذي نعيشه لم يأت من فراغ بل كان مستمداً من تمسكنا بعقيدتنا أولاً وعراقتنا وأصالتنا وهذا ما سوف نعلمه لأجيالنا.
المعذرة لأهلنا في الكويت إذا لم أستطع أن أوصل ما أريد من خلال الكتابة فأنا لست مؤلفاً ولكنها كلمات خرجت من الخاطر وحبي لهذا الوطن الثاني الكويت الذي أكن له ولأحبتي وزملائي فيه كل ود وتقدير. أخيراً وليس آخراً اغفروا ما يحصل من زلل أو معلومة فيها شيء من الخلل فكلنا خطاؤون وخير الخطائين التوابون، ولأني أجد عزائي في ما سوف أعرضه من أعمال لعلها ترتقي إلى ذائقتكم. أرجو من الله العلي القدير أن ينال كتابي هذا إعجاب الجميع وما يحتويه من تفاصيل دقيقة عن وما كان عليه الآباء والأجداد الذين صنعوا تاريخاً جميلاً يفخر به كل عربي ومسلم.
الفنان له رؤية أكثر دقة من الكلام عن ما يحسه ويحيط به فلغة البصر أبلغ من كل كلام لذا رأيت أن أصور بعض ملامح الحياة القديمة على شكل لوحات فنية لتكون دليلا صادقا عن تراث الأجداد وما كانوا عليه من شظف العيش وقلة الإمكانات ولكنهم استطاعوا بناء هذا الكيان العظيم. عذرا للإطالة وأترككم مع الصور واللوحات ولغتنا البصرية الجميلة.