بادئة شعرية:
تَضاحك القلبُ منـِّي وانتشى قلمي
وطـار شـوْقاً إلى أحبابهِ كَلِمِـي
فكلُّ عام وأنتمْ عيدُ بهجتنـا
وعطرُ أرواحنا في لحظـةِ الحُلـُمِ
(للشاعر السعودي إبراهيم عمر صعابي)
**أبو سهيل، عبدالكريم بن عبدالعزيز الجهيمان هو صحفي وأديب وباحث وشاعر ومن رواد ورواة مأثورنا الشعبي، ولد عام 1333 هـ في بلدة غسلة. أما حياته العملية وما عنها فخذوا ذلك: طلب منه الملك سعود أن ينتقل إلى الرياض ليقوم بتدريس أبنائه في عام 1931م، وبقي في تعليم أنجال الأمير مدة عام واحد، ثم انتقل بعدها إلى الظهران وأنشأ جريدة (أخبار الظهران) وهي أول صحيفة تصدر من شرق المملكة العربية السعودية، غير أن الصحيفة التي كان يرأس تحريرها سرعان ما أوقفت بعد صدور أعداد قليلة، حيث أرسل أحد الأشخاص مقالاً يدعو إلى (تعليم الفتاة) للجريدة فأُعجب الجهيمان بهذا المقال فنشره، وتحمل هو المسؤولية. ويعتبر مثل هذا المقال جريئاً في ذلك الوقت، ولم يكن هناك مدارس لتعليم الفتيات في أي منطقة من المملكة آنذاك، فقد كان سابقاً لعصره، فلو يعلم - رحمه المولى - كيف وصلت المرأة الآن في عصرنا الحاضر حتى أصبحت تشارك في عجلة التنمية وتتمسك بأدوار قيادية مهمة ممثلةً بعضوة بمجلس الشورى أو أستاذة جامعية أو معلمة... إلخ، مما أسهم في جعل المرأة لها دور بارز وعنصر مهم في زماننا اليوم.. وقد توفي - رحمه الله - عام 1433هـ.
**العيد له شجونه وذكرياته بحلاوتها وطراوتها، ولاسيما عند الأدباء والمهتمين، وكما هو عنوان المقال فهذه شُذيرات أو لنقل بعض من ذكريات الأديب الجهيمان في العيد، أرجو أن تكون في محل الفائدة الماتعة النافعة المرجوة، فيقول -رحمه الله-: كنا نمشي قبل العيد بيوم أو بيومين في الأسواق بأثوابنا الزاهية فتياناً وفتيات، وكنا عند أبواب المنازل نقف، ونردد أهازيج متعارفاً عليها في ذاك الوقت، منها «أبي عيدي عادت عليكم في حالٍ زينة... جعل الفقر مايجيكم ولا يكسر يديكم ولارجليكم!!». ويكمل قائلاً: إن لم يجبنا أحد كررنا تلك الأهازيج، فإذا أجابنا من بداخل البيت قلنا له: هل نسوق الحميّر أو نوقفه؟.. والحميّر: تصغير حمار.. فإن قيل لنا سوقوه أي انصرفوا لأنهم ليس عندهم شي يعطونهم رددنا «عشاكم شط الفاره وإيدامه بول حماره» - أعزكم الله - وهذه دعوة على أهل البيت بالفقر وسوء المعيشة لرفضهم إعطاء هؤلاء الأطفال العيديات. أما إن استجابوا لهم وقالوا: وقفوه -أي الحمار - نردد قائلين «عشاكم شط الفاطر وإيدامه سمن ساكر!!» وهذه جملة شكر وامتنان لأهل البيت، والشط: ظهر الجمل أو كما أسموه (الفاطر) وهو مليء بالشحم والدسم الذي كانت تفتقر إليه النفوس في ذاك الزمان. فاحمدوا الله على جزيل نعمه وكريم فضله.. وما سبق هذا كله فهو في عيد الفطر..
**أما محتوى تلك العيديات فيقول الجهيمان: الحلوى والحمص أو (الحنبل في كلام الأولين السابقين عليهم تتنزل الرحمات). وإن كان عند أهل البيت دجاجات فتكون العيديات عبارة عن البيض، فيفرح الصغار ويفرح الكبار لفرح الصغار..
**أما عيد الأضحى فالوضع مختلف بعض الشيء فيقول الجهيمان: «في عيد الأضحى فرحتان الأولى: مثل سابقتها في عيد الفطر وهي العيديات (وقد ذكرتها آنفاً)، وأما الثانية: فلحوم الأضاحي التي ننتظرها بفارغ الصبر ونتنعم برؤيتها وأكلها نيةً ومطبوخة ومقفرةً أي قديداً» (أو كما تسمى شريح: بكسر الشين والراء لأنهم كانوا يشرحون اللحم ويضعون الملح من بين هذه التشريحات فكان ذلك نسبةً لهذا الفعل)..
**ولمن أراد الاستزادة والاستفادة فكتاب الجهيمان «مذكرات.. وذكريات من حياتي» كفيلٌ لك أخي القارئ بالاستمتاع بقراءة شيء من سيرته النديّة العطرة التي تصف جزءاً مهماً من ذكرياته في ذاك الزمان..
** وفي النهاية:
قالوا عنه..:
((قال عنه الدكتور والأديب غازي القصيبي -رحمه الله-: «هذا الفتى الشيخ أبو سهيل - يعني الجهيمان- ذخيرة من ذخائرنا الوطنية». ويقول عنه الدكتور عبدالله الغذامي: «ما فعله أبو سهيل هو مما ينغرس في ضمير الثقافة جيلاً بعد جيل، وكم كانت رؤيته صائبة وناقدة حينما جمع تراث الناس وحكاياتهم، فجاء ذلك سجلاً وذاكرة لأجيال من الناس»)).
ولا يسعني أنا العبد الفقير إلا أن أقول: عبدالكريم الجهيمان ترك إرثاً وسجلاً معرفياً لا يُستهان به، يُقرأ إلى اليوم ويتناقله الجيل بعد الجيل، كل ذاك توثيقاً وتدويناً لخدمة الثقافة والتاريخ والمعرفة.. فهو إن صح التعبير قامة أدبية رائدة ونادرة -رحمه الله-. وأختم بشيء من شعره -رحمه الله- عن أبيات ذاكراً فيها مآلنا في هذه الدنيا والله المستعان وعليه التكلان:
على جنبات هذي الأرض نمشي
زمانا ثم تدفن في ثراها
ويأتي بعدنا قوم وقوم
يعيشون الحياة كما تراها
يذوقون النعيم بها، وطوراً
يذوقون المرارة من أساها
وباكم قد مضى من ألف جيل
على منوالهم نخطو رباها
وليس يعاد للإنسان دهر
إذا صفحاته يوماً طواها
** **
- عبدالله بن إبراهيم الغليقة