أ. د. زاهر بن عوَّاض الألمعي
1 - الملك/ (عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود) -رحمه الله-:
لن أتحدث عن تاريخ الملك/ (عبدالعزيز)؛ فإن مسيرته مسيرة حافلة بالجهاد، والبناء، والعطاء، في مختلف الميادين، جمع الله به الشمل، ووحد به الكلمة، وأنار به الطريق...
فكلُ فرد من أفراد هذا الشعب في عنقه بيعة، وحق يصان ويحترم، وقد كان والدي (عواض بن محمد الألمعي) -رحمه الله- يحدثني عن سيرة الملك/ (عبدالعزيز)، حيث كان والدي موظفاً في الديوان الملكي، في الفترة (1349-1350هـ)، فيذكر لي ما يرفع الرأس عن الملك/ (عبدالعزيز)...
وللملك/ (عبدالعزيز) أيادٍ كريمة على شعبه الوفي؛ حتى استقام هذا الكيانُ العظيم، ثم ذهب أبناؤه الغرُ الميامين في كل اتجاه؛ لاستكمال مسيرة البناء والتنمية، على هدى وبصيرة...
ولن أتناول سيرة الملك المؤسس/ (عبدالعزيز)، أو أستطرد في ذكر سير أبنائه، ملوك هذه البلاد؛ فإن ذلك يطولُ؛ وإنما هي وقفات وفاء لبعض الجوانب المضيئة في تاريخ، وحياة أولئك العظماء... وحديثي عنهم، عن معرفة، ومواكبة لمسيرتهم.
2 - الملك/ (سعود بن عبدالعزيز) -رحمه الله- عندما زار (جيزان) في عام (1375هـ):
وقد كنتُ في ذلك الوقت، جندياً من رجال الأمن في (جيزان)، وقد اختير مجموعة من الجنود؛ للحراسة على الملك/ (سعود)، أثناء زيارته لمحافظة (صامطة) و(معهدها العلمي)، وكنتُ واحداً منهم...
وعلى امتداد الطريق من (جيزان) إلى (صامطة)، ذهاباً وإياباً، كان المواطنون من أهل تلك القرى يصطفون على جنبات الطريق، ويلوحون بالهتافات؛ ترحيباً بزيارة الملك/ (سعود)... وربما وقف بعض المواطنين على جانب الطريق، ملوحاً بالقهوة العربية، فيقف الموكب الملكي؛ ويتناول الملك بيده (فنجال القهوة)، وهو في سيارته!! في مظهر ما رأيت له مثيلاً، من الحب والوفاء...
وقد زار الملك/ (سعود) الشيخ/ (عبدالله القرعاوي)، والشيخ/ (حافظ بن أحمد الحكمي) في (معهد صامطة العلمي)، وقد أقيم احتفالٌ بهذه الزيارة الميمونة.
3 - الملك - (فيصل): رائدُ التضامن الإسلامي:
لن أدخل في تاريخ الملك/ (فيصل بن عبدالعزيز) -رحمه الله- ولكنني أذكر موقفه الشجاع ضد الدول الغربية، التي ساندت (إسرائيل) في حرب (أكتوبر)، ولم تكن عنده وسيلة يعبر بها عن سخطه على تلك الدول، غير (سلاح البترول)...
فاستخدم الملك/ (فيصل) هذا الحق، وقطع البترول عن كل دولةِ ساندت، أو تعاونت مع (إسرائيل)، في حربها ضد العرب...
ولكن ذلك الموقف كان محفوفاً بمخاطر جسيمة، إضافة إلى تضرر دولٍ لم يكن لها دور في الحرب؛ فتراجع الملك عن قراره، بعد فترة وجيزة...
وقد وقفتُ أمام الملك/ (فيصل)، في موسم الحج عام؛ مشيداً بموقفه الشجاع، قائلاً:
مددت يداً بالمال كالغيث هاطلا
وأمددت جند الله فاستبسلوا حربا
فكفٌّ به الصاروخ يهدر في الوغي
وكفٌّ على البترول هز به الغربا
ترامت إليك الرسل من كل دولةٍ
لترفع عن أعناقها ضربةً نكبا
وقد جنحت تلك السياسات بعدما
رأت فيك للإسلام (فيصله) الصلبا)(1)
4 - الملك/ (خالد بن عبدالعزيز):
كان -رحمه الله- غيثاً ورحمة لشعبه؛ حيث كثرت في عهده الخيرات والبركات؛ وعم الرخاءُ... وعنده سرعة عجيبة في الاستجابة لمطالب المواطنين، والحرص على مصالحهم...
وأذكر له بالفضل والعرفان، موقفاً نبيلاً في تلبية حاجات المواطنين، في قرى (تهامة)، والمبادرة بسقياهم (بالوايتات)...
فقد تقدم المواطنون في محافظات (تهامة) بطلب إلى الملك/ (خالد ابن عبدالعزيز) -رحمه الله- يشرحون فيه معاناتهم من شح المياه في معظم قرى (تهامة)، ويطلبون السقيا العاجلة بأية وسيلة، وقد طلبوا مني أن أحمل هذا الطلب إلى الملك/ (خالد)، وبمجرد ما سلمته طلب المواطنين، وشرحتُ لمقامه الكريم ما يعانيه السكان؛ في سبيل الحصول على شربة ماء.. تأمل ذلك؛ وسألني بعض الأسئلة عن الوسيلة التي يتحقق بها سقيا المواطنين بطريقة عاجلة، فأشرت بأن الحل العاجل هو: (السقيا بالوايتات)، حتى يتم حفر الآبار، وإقامة السدود حسب الإمكانات المتاحة، وقد كلف شخصاً في الديوان بأخذ الطلب، ووجهه بكلام لم أسمع منه شيئاً...
وقال لي الملك/ (خالد) -رحمه الله-: اذهب مع فلان، وعندما دخلت مكتب الموظف الذي كلفه الملك بطلب المواطنين، قال لي: إن الملك مهتم بهذا الطلب بشكل عاجل، اذهب غداً إلى وزير الزراعة والمياه؛ تجد الأمر عنده، وفعلاً ذهبت في اليوم التالي -بعد الظهر- بمعالي الوزير، فوجدت الأمر عنده، وقد كلف الوزير شخصاً من الوزارة، اسمه (العبدان) -رحمه الله- وطلب مني الوزير مرافقة مندوب الوزارة؛ لمسح القرى التي تحتاج إلى السقيا؛ وتقدير الكمية اللازمة لسقيا المواطنين.
وتم ذلك من خلال عشرة أيام، واعتمد لهم سبعون رداً، كدفعة أولى من (الويتات)؛ موزعة على القرى...
وقد كان لهذه المكرمة من الملك/ (خالد) أثرها البالغ في نفوس المواطنين، وارتفعت أكف الضراعة إلى الله تعالى بأن يجعل ذلك في موازين حسناته، والمهم ليس في التوجيه، والأمر بسقيا المواطنين؛ فحكومتنا الرشيدة -بملوكها وأمرائها- إذا تبين لهم حاجة المواطنين، بادروا دون تأخير، ولكن المدهش -حقاً- هو: كيف يقدم الطلب في هذا اليوم لملك البلاد، وغداً يكون الأمر عند المسؤول في الوزارة؟...
كيف يعد الأمر ويذهب إلى الصادر! ولا أعتقد أن خدمة التلكس، أو الفاكس، هي الوسيلة؛ وإنما أعتقد أنه بعث به شخصاً؛ مناولة إلى الوزير، أو كلمه شخصياً بالهاتف؛ لأنني شعرت باهتمام كبير، من معالي الوزير، بهذا التوجيه الكريم...
إن هذا العمل الرائع في تحمل المسؤولية، بهذه الصورة المشرقة، المشرفة في خدمة المواطنين، شامة لامعة في تاريخ الملك/ (خالد بن عبدالعزيز) -رحمه الله-.
وقد اجتهدت في وضع خارطة إرشاية، توضيحية لأهم الوديان والقرى التي زرناها؛ لتساعد اللجان والزائرين لهذه الأماكن، التي هي بأمس الحاجة إلى التنمية.
5- الملك (فهد بن عبدالعزيز) -رحمه الله-:
سأتحدث عن أمر يتعلق بسيرة الملك/ (فهد بن عبدالعزيز)، لأول مرة، بعد مرور (35 عاماً) تقريباً؛ إذ لم يعد هذا الأمر من الأمور السرية.. بل هي مأثرة، ومفخرة من مفاخر حكام هذا الوطن الغالي...
كانت منطقة تهامة، من حدود المملكة مع اليمن إلى مشارف (مكة المكرمة)، تعاني من البؤس والتخلف؛ لصعوبة المسالك؛ وعدم وصول التنمية إليها بشكل منتظم، وقد زرت هذه المناطق زيارة شخصية، تطوعية؛ فأدهشني ما يعاني أهالي تلك المدن والقرى المنتشرة على قمم الجبال، والسفوح، وجنبات الأودية...
ذهبت إلى الملك (خالد بن عبدالعزيز) -رحمه الله- وشرحت لمقامه الكريم ما شاهدته في مناطق تهامة، فأمرني بأن أذهب لسمو ولي العهد الأمير (فهد بن عبدالعزيز) -رحمه الله- وكان لا يزالُ إذ ذاك (ولياً للعهد)، وأن أشرح له ما شاهدته بالتفصيل...
وعندما جئت إلى سمو ولي العهد الأمير (فهد بن عبدالعزيز)، وشرحت له ذلك، وجدت عنده استجابة عجيبة، وقد شرح الله صدره لتفهم الأمر، ولا أدري ما إذا كان الملك (خالد) قد وجهه بذلك، أم هي المسؤولية، وأصالة المعدن لحكامنا، عندما يتعلق الأمر بخدمة الوطن والمواطن.. أم كلاهما.
أمرني سمو ولي العهد الأمير (فهد بن عبدالعزيز) بأن أذهب إلى مناطق تهامة، من (الموسم) إلى القرب من (مكة المكرمة)، وأن أعد تقربراً كاملاً عنها، مع وضع أهم المقترحات والحلول ضمن ذلك التقرير، وأمرني أن تكون هذه المهمة تحت مظلة الجامعة، كأنني مكلف ببحث علمي، ووجه أمراء المناطق: أمير (عسير)، و(جيزان)، و(الباحة)، و(مكة المكرمة)، بالتعاون وتسهيل هذه المهمة، وقد تم ذلك فعلاً، وأعددت تقريراً مختصراً، في حدود عشرين صفحة، وخارطة توضيحية لأهم القرى والوديان بمحافظات (تهامة).
وقد قدمت هذا التقرير لسمو ولي العهد آنذاك الأمير (فهد بن عبدالعزيز)، وأحسب أن بعض الوزارات والمصالح الحكومية قد أفادت من هذا التقرير، كل فيما يخصه.
بعد ذلك، تشرفت بزيارة الملك (خالد بن عبدالعزيز) -رحمه الله- وأبلغته بما جرى، فدعا لي بخير، وقال: إنه وجه بالاهتمام، وإيصال الخدمات من: الطرق، والكهرباء، والصحة، والتعليم، إلى كل قرية من قرى (تهامة)...
وقد أحسن الملك (فهد) في استثماره لإيرادات الدولة، التي قفزت في عهده إلى مستوى لم يسبق له مثيل في تاريخ البلاد، فوجه باستكمال البنى التحتية، واستمرار دعم المشاريع العملاقة في (الجبيل) و(ينبع)، وبناء المطارات، والتوسع في بناء الجامعات، والتعليم العام (بنين وبنات) في مختلف مراحل التعليم...
كان وفياً لمن سبقه من إخوانه، فعندما أنشئت في عهده (جامعة الملك فيصل)، سماها باسم (الملك فيصل)؛ تقديراً لجهوده، وتخليداً لذكراه، وأقر تسمية (جامعة الملك سعود) بما هي عليه اليوم...
وكأن هذا الوفاء والإيثار سجية ظاهرة في حكامنا؛ فعندما وضع خادم الحرمين الشريفين الملك (عبدالله بن عبدالعزيز) حجر الأساس (لجامعة الملك خالد)، وكان آنذاك ولياً للعهد، أُقترح بأن تسمى (جامعة الأمير عبدالله بن عبدالعزيز)، ولكنه -رحمه الله- بادر بالتخلي عن ذلك، وآثر بأن تسمى (جامعة الملك خالد)؛ فكان هذا الوفاء يتوارثه حكام هذه البلاد، كابراً عن كابر، كما قال القائل:
وما كان من مجدٍ أتوه فإنما
توارثه آباء آبائهم قبلُ
6 - الملك (عبدالله بن عبدالعزيز) -رحمه الله-:
كان شخصية عظيمة، تحققت في عهده مشاريع هائلة، مثل: تحلية مياه البحر، ورفعها من (الشقيق) إلى (جبال السروات)، مثل: (أبها)، و(الخميس)، و(النماص)...
وأنشئت في عهده الجامعات، مثل: (جامعة الملك خالد)...
وكذلك (جريدة الوطن)، ولي معها ذكريات لا تنسى؛ حيث عايشتها فكرة، وإنشاءً، ومسيرة.. وعند زيارة الملك (عبدالله) لمنطقة عسير في (7-1-1419هـ)، وكان لا يزال (ولياً للعهد)، تم افتتاح صحيفة (الوطن) في احتفال كبير، وكان في اليوم الذي قبله، قد وضع حجر الأساس (لجامعة الملك خالد)، وكان لي شرف المشاركة بقصيدة أمام سموه.
من أبيات هذه القصيدة ما يلي:
عام أطل ويُمن فضلك يسطع
وعلى دروب الخير جودك يمرع
وعلى الجبال الشماخات تطاولت
عزماتكم تعلي البناء وترفع
وُليت عهد (الفهد) فازدادت بكم
شيم الوفاء وركنها لا يُصدعُ
أهلاً (وليّ العهد) طاب لقاؤكم
يا من لكم في كل قلب موضع
بالأمس أرسيت الصروح شوامخا
والجود في أرض الكرامة يزرع
وهناك تُرسى الجامعات عتيدة
وهنا يشيد مرفق أو مصنع
واليوم تزدحم المشاعر جمة
يهفو لكم قلب ويُصغي مسمع
أرسيت للفكر القويم منارة
في قلب (أبها) بالأصالة تنصع
صرحُ يشادُ على قواعِد نهضةٍ
كبرى، وسر النجح فيها مودع
هو منبر جادت به عزاماتكم
و(جريدة) بين الصحافة أروع
أسميتها (الوطن) الحبيب، فأُلبست
تاجاً فريداً بالجمان يُرصعُ
العلم والإيمان بعض سماتها
والفكر من جنباتها يتشعشع
وبها الفنون الراقيات تألقت
ولها الميادين الفساح توسع
واليوم حققت المُنى ورعيتها
متألقاً تبني الرجال وتصنع
هي منبر للخير في أوطاننا
هي للثقافة والبلاغة مرجع
نامت محصنة الجوانح برهة
والخاطبون يتشوفوا وتجمَّعُوا
لكنها في خدرها مكنونةٌ
ولغير فارس حُلمها لا تطلُعُ
تمشي رويداً في خمائل دلِّها
لكنها يوم التنافس تُسرعُ
سحناتُها عربيةٌ، وطنيةٌ
ومحيطها بين العوالم أوسع
أنت الذي أرسيتها ورعيتها
حتى استبان لناظريها المهيعُ
ووضعتها في كف شهم (خالدٍ)
أمضى جهوداً في المحافل تُرفع
مازال يسقيها بنبع فؤاده
والفيضُ من نبع المشاعر يُجرعُ
لتكون نبراساً على درب الهُدى
ولها على الجمهور بابٌ مشرعُ
شكراً (ولي العهد) ليس بجامعٍ
شعري معاني الوُدِّ مهما يُبدع
لكنه من فيض قلبٍ مُخلصٍ
ويمُدُّه بالحب بحر مترع
7 - الملك (سلمان بن عبدالعزيز) -حفظه الله-:
الملك (سلمان) رجل المواقف، والعزمات، والمسؤولية.. وهو ركن من أركان الدولة السعودية، من أيام الملك (عبدالعزيز) -رحمه الله- يجمع بين الحنكة السياسية، والثقافة في العلوم التاريخية...
ولن أتحدث عن اتخاذه القرارات الصعبة في أحرج المواقف مثل: (عاصفة الحزم) و(إعادة الأمل) التي صدَّت عن المملكة والدول العربية مخاطر جسيمة، وقلبت موازين القوى، وأحبطت كثيراً من المخططات العدوانية، وكذلك لن أتحدث عن مسيرته الحافلة بالخير والعطاء، ولكنني أدعو الله له بالقوة والثبات، والبطانة الصالحة، وطول العمر على طاعة الله...
إن من مواقفه الخاصة التي لا يريدُ نشرها: أنه صاحب نجدة في المواقف الحرجة، بجاهه وماله؛ ولولا معرفتي أنه يريد بها ما عند الله تعالى، لتكلمت كثيراً عن هذا...
أسأل الله أن يحمي هذه البلاد وأهلها من مكائد الأعداء، وأن يمُنَّ علينا بالأمنِ والاستقرار.
... ... ...
- عضو مجلس الشورى - سابق
(1) انظر المجموعة الشعرية، للدكتور/ زاهر الألمعي، ص (159 و160)