ياسر صالح البهيجان
نظام الملالي في طهران هو أحد الأنظمة القائمة على مبدأ اللانظام واللادولة، ومن هذا المنطلق ترى إيران بأن الوسيلة المثلى لتحقيق التمدد هي إنشاء حالة من الفوضى داخل الدول المستقرة وتقويض النظام القائم الذي يمثل قوَّة وحصانة ضد أي رغبة توسعية، ووفق هذا المبدأ تبلورت فكرة تصدير الصراع الطائفي داخل الكيانات العربية بهدف تحريك الأقليات وجعلها أشبه بالقنابل الموقوتة التي تزعزع الاستقرار.
وفي ظل الأنظمة الدولية والتشريعات التي تأسست مع انطلاق منظمة الأمم المتحدة أعقاب الحرب العالمية الثانية، اتجهت ولاية الفقيه إلى سياسة إنشاء الأذرع غير المباشرة للحرب نيابة عنها من أجل تفادي أي عقوبات قد تطالها في حال ثبت تورطها في خرق المواثيق الدولية، بهذا المعنى فإن طهران لا قدرة لها دون تلك الأذرع في التحرك خارج نطاقها الجغرافي، خصوصًا أن أذرعها في معظم الأحيان لا تُعلن انتماءها الإيراني، بل تستتر خلف رداء الدوافع الوطنية، وقد تجعل من مطالب الإصلاح والاحتجاجات المستمرة أسلوبًا لخلخلة الأنظمة الحكومية في المجتمعات العربية، وهذا ما حدث فعلاً في لبنان تحديدًا، عبر ذراع حزب الله الذي تمكَّن من استقطاب بعض التيارات المسيحية أيضًا بوصفهم أقلية في العالم العربي والإسلامي المحيط بهم، ما أوجد حالة من الفراغ الرئاسي لأعوام، فضلاً عن تحييد لبنان العربية عن المشاركة الفاعلة في أي مواقف تمثل انهاكًا لأي كيان عربي.
والتحوُّل الأخطر في نظرية الأذرع الإيرانية، يتمثل في احتضان طهران لجماعات سنِّية متطرِّفة بوساطة حكومات عربية متواطئة مع المشروع الإيراني، بهدف توظيف تلك الجماعات لتقويض القوى السنِّية في المنطقة، وهذا ما يبرر التقارب الإيراني مع جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس وغيرهما من المنظمات غير الحكومية ذات الخطاب العدائي ضد الأنظمة الإسلامية والعربية القائمة.
التحرك غير المتوقَّع من إيران وأذرعها كان في إطلاق الرياض للمركز الدولي لمكافحة التطرُّف، والذي مثَّل مرحلة جديدة في مواجهة الكيانات الموالية للنظام الإيراني والتي تأتمر بأمرها على الأرض، وهو تحوُّل غير مسبوق من شأنه تجريم أذرع طهران في المنطقة، بل وبترها كليًا عن طريق كشف عمالتها مع ولاية الفقيه، والبدء جديًا بوضعها على قوائم المنظمات الإرهابية ومحاصرة مصادر تمويلها، وجعل رموزها تحت مجهر الرقابة الصارمة، والوقوف أمام تمدد أيديولوجياتها الفكرية المتطرفة.
نظام ولاية الفقيه يقتات على انتصارات أذرعه الوهمية داخل المجتمعات العربية، وإن بُترت تلك الأذرع فإن النظام الإيراني لن يجد وسيلة يلهي بها شعبه الذي يعاني من الفقر والظلم والبطالة والقمع، وعندها سيُدرك الشعب خواء حكومته، وسيبدأ جديًا في إحداث تغيير في قيادته، بحثًا عن قيادة حكيمة تحقق للإيرانيين حياة أكثر كرامة وبعيدًا عن التدخلات في شؤون الدول الأخرى.