محمد بن إبراهيم الحسين
يحفل فضاء الإعلام العصري، وتزخر شبكات التواصل الاجتماعي الحديثة، بالكثير من الذين يقدمون أنفسهم كدعاة عصريين، ويزعمون بأنهم يسعون لتجديد الخطاب الديني ويعملون لبلورة فقه معاصر، ويحاولون هز المسلمات الدينية وخلخلة الثوابت الشرعية وتحريف النظريات العلمية بحجة تحقيق تلك المزاعم. وعدنان إبراهيم من أبرز هؤلاء الذين يعرضون أنفسهم على أنهم دعاة مجددين، وهو في معرض ذلك يتطرق لنظريات علمية يستشهد ببعض جوانبها في محاولاته للتوفيق بين الدين والعلم، مما يوقعه في أخطاء ناتجة عن اقتحامة لمجالات ليس متخصصاً فيها، ويكشف عن تناقض بين ما يقوله وما يدعي الإيمان به، وتلك التناقضات تثبت بأنه لا زال مبتدئا لم تتبلور أفكاره ولم يستقر اعتقاده، وأنه ليس مؤهلاً للنهوض بالمهمات التي يدعي التصدي لها، كتجديد الخطاب الديني، وإخراج فقه معاصر، ومحاولة التوفيق بين العلم والدين، فهو ليس عالماً جليلاً ولا باحثاً أصيلاً، وإنما لا يعدو كونه مثقفاً يفكر ويقرأ بصوت عالي، وليس فقيهاً متعمقاً ولا عالماً متخصصاً، مما يجعله يتخبط في مناقشة الأصول العقدية، ويتجرأ في تفسير الفروض الشرعية، ويخطئ في استعراض النظريات العلمية..
وباستعراض إنتاجه الفكري يتضح بأنه ليس «مفكر إسلامي» وإنما مجرد «مثقف عربي». فهو ليس باحث أصيل، ولم يؤلف ولا كتاب واحد، وليس له أي أبحاث علمية أو فكرية؛ وإنما مقلد للآراء ومنتحل للأفكار، يبني قناعاته ويستمد أفكاره من أفكار عدد من المفكرين الذين سبقوه، ويستمد شهرته من البحث عن الآراء الصادمة، ويتخذ من الدين سلماً يصعد إليه ليصل إلى أكبر شريحة جماهيرية من بين أوساط المجتمعات العربية المتدينة. ولا يميزه سوى كونه قارئ نهم، يطرح أفكاراً جريئةً وصادمةً، ويتميز بقدرته على توضيح أفكاره، متسلحاً بثقافة شاملة واطلاع واسع، وتمكن من اللغة العربية، وقدرة على الإلقاء والخطابة. ويلاحظ بأنه يحاول بث بعض الأفكار التي يدعي بأنه لا يؤمن بها وإنما يتبناها بدعوى وحجة تقمص آراء الآخرين والحيادية في طرحها، والحقيقة أنه لا زال في طور تشكيل وبلورة آراءه الشخصية، فهو على عكس ما يحاول أن يظهر؛ يبدو غير واضح العقيدة، وغير مستقر الاعتقاد، وغير متبلور الفكر، وغير متزن الخطاب، وربما يكون أحياناً متأرجحاً في عقله الباطن بين الإيمان والإلحاد وبين التسنن والتشيع. ورغم كونه ليس من رجال الدين ولا من رجال العلم إلا أنه يتطرق لجوانب دينية وعلمية عميقة، ونتيجةً لذلك يقع في تخبطات شرعية وأخطاء علمية لا يلحضها إلا المتابع له والملم بما يتطرق إليه، فهو يركز على النظريات والآراء العلمية القديمة لأن فيها جانب من البساطة التي يمكنه فهمها والتعامل معها، ولأنه يستطيع أن يجد الكثير من الآراء التي تؤيدها أو تفندها. ومما يؤخذ عليه أنه خلال طرحه يعمد إلى تحريف نظريات كبار العلماء المتخصصين بجرأة، واستعراضها بسطحية، وتناولها بسذاجة، وتسفيهها بسفاهة، ونقدها بتعصب، ومناقشتها بأسلوب لا يلتزم بأسس البحث العلمي، ولا يتقيد بمعايير النقد العلمي، ولا يتحلى بأدبيات الأمانة العلمية والأدبية. ورغم محاولاته ربط الدين بالعلم والتوفيق بينهما، وتميزه باستعراض ومناقشة النظريات والمكتشفات العلمية في خطبه، إلا أنه ليس مؤهلاً لذلك تأهيلاً كافياً لكونه ليس من فقهاء الدين ولا من جهابذة العلم، فتلك المهمة تتطلب تخصصاً دينياً وعلمياً عميقاً، وهو لا يعدو كونه مثقفاً ينقل ما يقرأ، مما يجعله يقع في أخطاء وخلط وتشتت ذهني وتخبط شرعي وعلمي لا يستره سوى تدني المستويات العلمية وقلة المحاصيل الثقافية للشعوب العربية، وعدم تفريق أغلب متابعيه بين الغثوالسمين. ولو كان يوجه خطابه لشعوب متطورة كالأوروبيين مثلاً؛ لواجه انتقادات حادة، ولما لقي أي نسبة من القبول، ولما اكتسب أي جانب من الاهتمام، ولما حاز على أي درجة من الشهرة.