خالد بن حمد المالك
قبل أن أبدأ في كتابة هذا المقال اتصل بي صديق يذكِّرني بما كان قد أجاب عليه حاكم قطر الأسبق خلال الدولة السعودية الأولى عندما سُئل آنذاك عن حدود قطر مع المملكة، فأجاب بثقة ومحبة ورؤية سليمة بما نصه: «حدود قطر مع المملكة هذا الكرسي الذي أجلس عليه»، وأنا أسأل: ما حدود قطر وفقاً لرؤية حمد وحمد وتميم، وما الفارق والفرق بين حاكم قطري يصف العلاقة السعودية - القطرية بما يُفهم أن قطر هي السعودية والسعودية هي قطر، وحاكم يتصل بالقذافي للتآمر على قتل ملك المملكة، وتجزئة البلاد إلى كونتينات وأقاليم تتصارع وتتقاتل، كما هو في تسجيل بصوت الشيخ حمد بن خليفة حين كان أميراً لدولة قطر.
* *
المملكة والملك سلمان لا يريدان من قطر إلا أن تبقى شامخة بحماية المملكة لا بحماية تركيا وإيران، وأن تكون عصية على أعدائها الطامعين بها، بينما لا مطامع للمملكة فيها، ولا نية لديها للتدخل في شؤونها الداخلية، وكل همنا في المملكة أن تكفَّ أذاها عنا، وأن يتوقف تصدير الإرهاب منها إلينا، وأن تضع حداً للمؤامرات ضد المملكة وبقية دول الخليج، وذلك بأن تلتزم بالشروط والمطالب التي قُدِّمتْ إليها، وإلا فستبقى دولة منبوذة، وبلا علاقات معها. فأمن المملكة ودول الخليج ومصر لا يتحقق مع استمرار قطر في التآمر علينا، وحشد الأعداء في أراضيها للإضرار بنا، وهو - بعد انتظار طويل - ما استدعى أخذ القرار الجماعي المناسب بقطع العلاقات معها.
* *
شعب المملكة يصرخ، بل كل شعوب دول الخليج تفعل ذلك، بصوتها العالي والمسموع، تدعو شيوخ قطر بأن يتحمَّلوا مسؤولياتهم التاريخية، فلا يدفعوا بقطر إلى المجهول، وإلى ما يعرض أمن وسلامة الشعب القطري الشقيق إلى الخطر. نكرر هذا النداء، ونعيد هذا الطلب من مركز القوة، ونبحث لقطر عن مخرج يحفظ لشيوخها ماء الوجه، إذا ما فكروا بتنفيذ مطالب الأشقاء، وإذا ما كانوا على استعداد للإصغاء للنصائح، والاستفادة من الدروس، وقبول الكلام الجميل الذي هو من شيم وأخلاق قادة دول الخليج. وإن بقيت قطر بشيوخها - مع شديد الأسف - خارج سرب هذا الأسلوب في التعاون والتعامل، فإن عليها أن تعي ذلك، ويصل إليها صوتنا الناصح الصادق المخلص، فتتدبر أمرها، وتراجع مواقفها، فما بقي من الوقت على تنفيذ المطالب لا يسمح بالاسترخاء والتثاؤب والمناورات القطرية المعتادة.
* *
العلاقة القطرية بدول الخليج علاقة مصير واحد، وشراكة تاريخية أبدية، وشعب قطر لن يقبل بأن يتمرد شيوخهم على أدبيات التعاون القطري الخليجي، ولن يسمح بأن تتخلى قطر عن أرومتها وأخوتها الخليجية، وتاريخها المشترك مع المملكة ودول الخليج ومصر، بقرار غير محسوب نتائجه، وموقف يعرّض مصالح الدوحة إلى الخطر، كما لن تقبل بأن تكون إيران أو تركيا أو إسرائيل، أو جميعها، بديلاً لعلاقاتها بأشقائها في دول مجلس التعاون، مهما كلف ذلك من تضحيات، وبالتالي فليس هناك من خيارات أخرى متاحة للدوحة للوصول إلى حل لمشكلة قطر مع أشقائها إلا بالموافقة على البنود الثلاثة عشر، مع الالتزام بكل الضمانات التي تطالب بها الدول الأربع التي قطعت علاقاتها بقطر.
* *
ومثلما هو معلن، فلا حوار، ولا مناقشات، ولا تخلي عن أي بند من بنود المطالبات، ولا قبول بأي مقترح يمس هذه المطالب، فقد اكتوت الدول بما فيه الكفاية وأكثر من تآمر قطر، ومن إرهاب قطر، ومن المواقف الصادمة من أميرها السابق الشيخ حمد بن خليفة، ومن رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق حمد بن جاسم، كما آذتها أكاذيب قناة الجزيرة، وتحريضها إعلامياً للمواطنين لإثارة الشارع في دول المجلس، ومثل ذلك الدور المشبوه الذي يمارسه هؤلاء الغرباء الذين يقيمون في قطر، حيث يرسمون ويخططون لإشعال الفتنة والخلافات، وتأجيج الصراعات بين شعوب هذه الدول، في تصرفات حمقاء، وممارسات قبيحة، وعمل يعتمد على أدوار خطيرة ضد دولنا.
* *
مرة أخرى، إن شعوب دول الخليج ممن يتواصلون مع الصحيفة، يوجهون نداءاتهم إلى أشقائهم وإخوانهم شعب قطر بالاعتذار لهم على ما سببته المقاطعة لقطر من أضرار على هذا الشعب العزيز الطيب الذي لا ناقة له ولا جمل في الممارسات القطرية، وإنما المسؤول عنها شيوخ قطر، ومن يتعاون معهم من الدول والمنظمات والأحزاب والأفراد، لإقصاء قطر عن محيطها الخليجي، وجعلها خنجراً في خاصرة دول الخليج، فعذراً أيها الشعب الحبيب على ما آل إليه وضعكم بسبب تصرفات لا تنمُّ عن حكمة أو دراية أو وعي ومعرفة يقوم بها تميم وحمد بن خليفة وحمد بن جاسم، ومن لَفَّ لَفَّهم من المقيمين في بلادكم.
* *
هل من صرخة، بل هل من صرخات، يعلو بها الصوت السعودي والإماراتي والبحريني والمصري، لتصل إلى أسماع الشيوخ القطريين للكف عن هذا العبث الذي يُمارس في قطر، وينتقل إلى دول الخليج ومصر، دون مبرر، ومن غير أسباب، إلا أن تكون مؤامرة ضد دولنا بما فيها قطر، وتنفذ من الأرض القطرية وبدعم منها، ومباركة من شيوخها، في سابقة لم تشهد المنطقة في جميع حقبها التاريخية ما يحدث من قطر الآن، وهكذا هو الفرق بين حاكم يرى أن حدوده مع المملكة الكرسي الذي يقتعده، وحاكم يرى أن حدوده في قدرته للوصول إلى عمق أراضي المملكة لنزع فتيل الأمن، والتآمر على ملوكها، والعمل على تقسيمها إلى دويلات صغيرة مماثلة لحجم قطر.
* *
لقد اقترب الموعد المعطى لقطر للقبول بالشروط والمطالب، فالعشرة الأيام تمضي سريعاً، وموقف الدوحة لم يتغير، بل هي إلى التصعيد أقرب، وهي إلى الهروب من المسؤولية الأكثر تأكيداً، وهي أيضاً إلى عدم القبول بالشروط، أو الاستسلام للمطالب أكثر ميلاً وقناعة، وبالتالي فليس أمام الدول الأربع إلا أن تمارس ما يحفظ أمنها واستقرارها واستقلالها، ولن تقبل بأقل من الشروط التي قدمتها، ولن توافق على استثناء مطلب واحد من مطالبها، وهي جاهزة لكل الاحتمالات، مستعدة لكل التطورات، وعلى يقين بأن الشعب القطري الصابر، لن يقبل بأي عروض أو أفكار تقصيه عن أشقائه في دول المجلس، أو تبعده عن محيطه الخليجي، فقطر لها تاريخ لا يمكن أن يترك لشيوخها أن يعبثوا به، وعليها التزامات ومسؤوليات تضع الشعب القطري في عمق العمل لصيانة الدولة من الضياع.
* *
أتمنى أن تكون الأيام الأربعة وهي المهلة المتبقية لقطر للموافقة على شروط الدول الخليجية الثلاث ومصر كافية لكي يُظهر شيوخ قطر شجاعتهم وواقعيتهم ومصداقيتهم فيوافقوا على ما طُلب منهم، حتى لا تتعرض قطر لأكثر من قطع العلاقات، وحتى لا يتعرض الشعب القطري الشقيق لمزيد من المعاناة، وهو - كما نرى - ضحية جنون العظمة التي تلبست بالشيوخ الثلاثة حمد وحمد وتميم، فوضعتهم وبلادهم على فوهة بركان، وعلى أرض تموج بكل العناصر الأجنبية التي تتآمر على قطر ودول الخليج ومصر، بما لا مصلحة للدوحة ونظامها في رفض شروط واقعية لتهدئة الوضع، وإنقاذ قطر من ويلات ونتائج عنادها واستسلامها لما يمليه العدو عليها.