«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
بعد عودته من معايدة أصحابه ومعارفه. دخل غرفته ووضع عقاله وغترته على أريكة الغرفة وأحسن غلق باب غرفته حتى لا تصله ضجة أحفاده التي يثيرونها في صالة الدور العلوي المجاورة لغرفته وهم يشاهدون قناة الأطفال الأجنبية. ثم غير ثوبه. ولبس ثوبا خفيفا. وتمدد على سريره. كان عقاله المرعز قد استرخى على الغترة. وقد بدأ سعيد وراح يتنفس الصعداء بعد هذه الجولة التي جعلته يتحرك ذات اليمن وذات الشمال وتارة يرتفع إلى أعلى وتارة إلى أسفل مع حركة رأس صاحبه خصوصا في مثل هذه الأيام. فما أكثر حركة رأس صاحبه في العيد. فهذا يعانقه وذاك يحتضنه. بل هناك من يسحبه إلى أسفل إذا كان جالسا ولايستطيع الوقوف لتحيته كونه رجلاً كبيراً في السن أو لظروفه الصحية.
ومازال يذكر ما حدث لصاحبه بالأمس عندما خفض رأسه كثيرا ليعانق أحد هم وكان كبيرا في السن فإذا به يسقط في حضن الرجل لولا ان صاحبه تلقفه بيده اليسرى وإلا كان قد اصطدم بأنف الرجل الضخم قبل أن يصل إلى حضنه..؟! وراح العقال يواصل حديثه مع نفسه وهو يروي مشاهد سقوط العديد من العقل خلال الصلاة وما يعقب ذلك من حدوث أصوات وضجة.
ولكنه بصراحة لم يحدث أن وقع من رأس صاحبه طوال العقود الماضية. لا في الصلاة ولا في المناسبات. والحق أن صاحبه يعزه كثيرا. منذ اشتراه قبل عقود من سوق القيصرية. هذه المعزة والتقدير الكبيرين تؤكدهما حرصه على ان يكون عقاله المفضل رغم وجود أكثر من عقال لديه.. وكم مرة خطرت له فكرة أن يسأل صاحبه لماذا فضله على غيره، ولماذا يواصل استعماله حتى في العيد. رغم وجود منافسين له داخل خزانة ملابسه.. هل ذلك يعود إلى العشرة أم لثقله نوعا ما والذي يجعله ثابتا على رأسه ولا يتزحزح قيد أنمله. عندها تطلعت اليه «الغترة» قائلة: لقد صدقت ان وزنك الثقيل وراء تفضيل صاحبك لهذا الاستعمال الذي استمر لعقود. وبصراحة واسمحلي أن أضيف: لو كان لي يدان لقمت برفعك من فوقي سريعا ولكن ما العمل لا أمل في ذلك حتى أطرافي لايمكنها تحريكك فأنت ما شاء الله كتمت انفاسي ولولا «براد « المكيف الذي خفف من حدة هذا «الكتم» المميت. الذي أشعر به وانت فوق جسدي؟! عندها تحرك العقال وقال باعتزاز: ياحلوه يا معطرة لاتنسين الثقل زين . وصاحبي ولله الحمد وفي ومخلص. لذلك حافظ علي. ودائما يعتني بي. ونحن معشر «العقل» نفخر باننا غيركم أيها الغتر. فسرعان ماتنتهي صلاحيتكم خلال أسابيع بل وهناك من يستخدمكم لفترة قصيرة من عمر الزمن.. وعلى الأخص ان لونكم الناصع البياض سرعان ما يتغير ويتحول إلى لون باهت. رغم الغسيل والكوي وحتى رذاذ النشاء فأنتم ياقبيلة (الغتر) تصابون بمرض الشيخوخة المبكرة. ومصيركم التغيير. وأضاف ساخرا هناك من يستخدمكم بعد ذلك لعملية التنظيف وحتى لمسح وجهه من العرق. اللهم لاشماته. أما نحن فمقامنا رفيع في المكانة العالية التي اخترنا لها فوق الرؤوس.؟! وساد الغرفة صمت. عندها ضحك صاحبهما. وقام من سريره وراح يكتب هذه «الاطلالة» لهذا اليوم..