د. حمزة السالم
التاريخ يشهد للسياسية الأمريكية حرصها على تقوية حلفائها وإثرائهم، ما لم يصل الحليف لحد المنافسة على تاج الامبراطورية. كما أن السياسة الأمريكية مع حلفائها، غالبا ما تُقدم قاعدة «أهل مكة أدرى بشعابها»، فتتنازل السياسة الأمريكية عن المفهوم الأمريكي للحريات والعدالة مقابل ضمان تحقيق مصالحها ومصالح حلفائها الاستراتيجية.
كوريا والفلبين، بلدان، أنقذتهما أمريكا من الاشتراكية فأدخلتهما في الحلف الأمريكي الديمقراطي، إلا أن ماضي هذين البلدين قد أدرك حاضرها ليحقق المساواة القدرية الكاملة. فطريقة حكم اليابانيين وقسوتهم لكوريا، زرعت وحدة الكلمة والولاء والشدة في الثقافة الكورية، فخلقت هذه الثقافة قيادة كورية صارمة حازمة، وحدت القرار فلم تعترف بديمقراطية تعدد الرؤى والأهواء. فاستغلت المساعدات والاستشارات الأمريكية لتحقق تفوقاً اقتصادياً مذهلاً أخرج كوريا من حفرة الفقر والعدم، لتحتل مكانا لها في قمة الدول. بينما أخرجت عقود الدلال الأمريكي للفلبين: ديمقراطيةِ الحريات الفوضوية. فتحكمت بها الأهواء والفساد، فراوحت الفلبين مكانها، بينما تسابقت الأمم على القمة، فتباعدت القمة عن الفلبين حتى غابت كوريا عن أنظارها.
ورغم التفوق الفلبيني الكبير في المجال العلمي والاقتصادي والبنيوي، إلا أنه في اعتقادي أن كوريا الجنوبية بالدعم الأمريكي كان لها بداية أفضل كثيرا من الفلبين. البناء الجديد أسهل وأحكم من ترقيع القديم. فلم تواجه كوريا مشكلة الأراضي كالفلبين، مثلا. فقد وزعت أمريكا على الشعب الكوري الأراضي التي كان اليابانيون يسيطرون عليها، فشدت الشعب الكوري لأرضه وأرضته على حكومته. بينما شرق الفلبينيون بسيطرة النخبة من ملاك الأراضي، مما سبب الامتعاض الشعبي الذي اقترن بالحريات المنفلتة، فأشعل الفتن والمزايدات والتصفيات السياسية. وساعدت صرامة الحكم الكوري على منع ظهور البيروقراطية، كما منعت من ظهور المزايدات الإعلامية. بينما تعمقت البيروقراطية في الفلبين باسم حريات الآراء الجاهلة، كما فتحت مجال المزايدات الإعلامية، فكانت الفلبين - إلى فترة قريبة - أخطر بلد للصحفيين، لا العراق ولا سوريا. كما أن الخطر الكوري الشمالي المتواصل، لم يفتح مجالاً للقيادة الكورية الجنوبية للتساهل بالفساد، أو المماراة في المناصب القيادية، أو الرضا بالخطط التنموية الهزيلة. مما وجه الدفة الكورية للصناعة والتكنولوجيا. وعلى نقيضه، فإن أمن الفلبين من أي تهديد خارجي، خلق مجالاً للأنانية السياسية والأثرة الذاتية على حساب الشعب، فانتشر الفساد والمحسوبيات.
فكان من نتيجة ذلك كله: أن الدعم الأمريكي للحكومة الكورية انتهى لبناء الاقتصاد الكوري والمعرفة العلمية الكورية، وسير البلاد للديمقراطية بالروية والعلم والتجربة. بينما انتهى الدعم الأمريكي للحكومة الفلبينية في جيوب النخبة الفلبينية إن كان ماديًا، أو إلى هباء الضياع إن كان علميًا أو استشاريًا. واستمرت فوضى الديمقراطية في الفلبين، وجُيرت الفوضى باستغلال الإعلام المنفلت، فألقى الملامة كلها على الأمريكان، فانتشرت كراهية الأمريكان بين الشعب الفلبيني. وأما بالنسبة للأمريكان، فقد حققوا - في كلا الحالتين الكورية والفلبينية- الهدف الاستراتيجي الأمريكي بدفع الخطر الشيوعي.