ماجدة السويِّح
لم تعد وسائل الإعلام هي اللاعب الوحيد في التلاعب وصناعة الرأي العام وتعليب الوعي، بل أصبح المشاهير في شبكات التواصل الاجتماعية أكثر تأثيرا وتلاعبا بالعقول، في تطور ملحوظ للتأثير الفردي على الجمهور، فمن قرأ كتاب هربرت شيللر المتلاعبون بالعقول يدرك أن التأثير لم يعد محصورا على وسائل الإعلام الجماهيرية بل تجاوزه إلى أفراد مؤثرين في السوشيال ميديا، قد ينهجون التضليل والخداع أحيانا لكسب المتابعين، وزيادة العائد المادي المجزي من المعلنين.
تأثير المتلاعبين بالعقول في الشبكات الاجتماعية بلغ عتيا، ولعل مسابقة "الكنز المفقود" التي أعلن عنها أحد مشاهير السناب شات في الكويت للبحث والتنقيب خلال 48 ساعة عن 20 ألف درهم مدفونة في إحدى المناطق الصحراوية خير شاهد على تأثير المشاهير في خلق حالة من الازدحام والفوضى للبحث عن المبلغ المرصود، رغم الصيام وارتفاع درجة الحرارة.
حالة المتابعين اللاهثين في البحث عن الكنز المدفون تختصر مدى تأثير المشاهير الكبير على المتابعين، وقدرتهم على التلاعب بعقولهم وعواطفهم.
حالة من الفوضى تعم حسابات بعض المشاهير في شبكات التواصل الاجتماعية، للتسويق أو الترويج لحساباتهم، طمعا بالمكسب السريع رغم أنف المصداقية والرزق الحلال، فلم يخل الشهر الحرام من سعار محموم بين بائعات وعارضات ومسوقات لم يخلو عرضهم من التضليل والخداع للمتابعين، فكل الطرق بنظر المتطفلات على مهنة التسويق والإعلان تؤدي إلى المكسب بغض النظر عن ماهية الطريق وشرعيته.
"الهارفون" بما لا يعرفون لعله أصدق وصف يمكن أن يطلق عليهم، فهم من خلق حالة من الفوضى والخداع بين أوساط المتابعين، فهم لا يتورعون عن الترويج لكل شيء، وعن أي شيء طمعا في الربح السريع والشهرة.
بائعات الشنطة على شبكات التواصل الاجتماعية تجاوزوا المعقول في العرض، والتسويق من خلال طرق وممارسات غير أخلاقية لتسويق ما زاد سعره وقلت جودته، فعروضهم لا تخلو من مبالغة أو كذب وضاح، لتسويق الرجيع والمقلد دون أدنى مسؤولية، أو خوف من مساءلة قانونية من الوزارات المعنية.
مبادرة وزارة التجارة في إيقاف وتغريم صاحبة حساب شهير بعد الترويج لمسابقة رمضانية عبر سناب شات تعتبر خطوة إيجابية في الحد من توحش وتلاعب المشاهير بأرواح الناس وأموالهم، بعدما تبين للتجارة عدم وجود ترخيص للمسابقة، ومطالبة المتابعين بشراء العطر الخاص بالناشطة، للدخول في السحب على الجائزة
ولا أنسى أن أستحضر الجانب المضيء في تأثير المشاهير على الرأي العام السعودي في تبني قضايا مجتمعية، واستغلال حساباتهم للمساهمة بفعل الخير، فالمبادرة التي قام بها الناشط على مواقع التواصل الاجتماعية الذي استغل شهرته في تنظيم حملة لتسديد ديون المساجين والسجينات بموافقة الجهات الرسمية، خير دليل على التأثير المرجو والمنتظر من المشاهير، حيث أسفرت الحملة عن تسديد ديون أكثر من مائة سجين وسجينة بمنطقة القصيم.
وتبع تلك التجربة الإيجابية عدد من الحملات خلال الشهر الفضيل في مختلف مناطق المملكة للإفراج عن السجناء، أو مساعدة الشباب على الزواج، في ظاهرة حميدة تعبر عن التأثير الإيجابي في تبني المشاهير لقضايا المجتمع بعيدا عن المصلحة الشخصية في حب الظهور أو التكسب، وحث الشركات في المساهمة بالخدمة المجتمعية.