محمد أبا الخيل
في الأسبوع الماضي أعفى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف من ولاية العهد ونصّب صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد، في خطوة جذبت اهتمامًا عالميًا واستثارت كثيرًا من التحليلات والاستفسارات عن أبعاد ذلك القرار المهم والإستراتيجي في تاريخ المملكة العربية السعودية.
يعلم المطلعون على بواعث محركات السياسة السعودية، أن القرار في حيثياته واستحقاقاته ليس انتقاصًا من تاريخ وكفاءة وإنجازات صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف، بقدر ما هو استشراف لمستقبل المملكة العربية السعودية وتأهيل أنسب للتحديات المستقبلية الاقتصادية والديموغرافية والجيوسياسية، هذه التحديات تستلزم قرارات تعبوية وإجراءات صارمة وعميقة الأثر, مما يستلزم صلابة قيادية وسرعة تستبق الأحداث وحيوية في مركز القرار الإستراتيجي، وهذا ما جعل خادم الحرمين الشريفين وبمباركة هيئة البيعة يقدم على هذه الخطوة التي تمثل وضع المصلحة الوطنية العليا فوق أي اعتبارات عائلية.
أثبت ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان من خلال موقعه عندما كان ولي ولي العهد ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية قدرة فائقة في التخطيط والمتابعة والتنسيق تعتمد على سرعة إجرائية غير معهودة في صناعة القرارات التنفيذية الحكومية، هذه القدرة تستلزم شمولية في وحدة الموقف وتفسيرات الرؤية لدى مؤسسات الدولة بصورة عامة حتى تتسق في تناغم يحقق الرؤية (2030)، وذلك لم يكن ممكناً دون أن يكون القرار التنفيذي في سلطة مركزية متحدة الفكر والتطلع.
المملكة العربية السعودية مقدمة على تحديات كبيرة خلال العشرين سنة القادمة يمثل التغلب عليها ولوجًا حاسمًا للمستقبل الذي سيحكمه وتتحكم فيه الأمم القوية اقتصادياً وتنموياً، ومواجهة هذه التحديات ستمثل صناعة لمجد سعودي جديد، فهي تستلزم وضع سياسات وإجراءات غير مسبوقة، سيكون على الدولة والمجتمع بصورة عامة التكاتف والتضافر لجعل تلك فاعلة ومحققة لطموحات رؤية (2030) وما بعدها. والمملكة وهي تقف اليوم أمام تلك الحقبة الزمنية وتستعد لها، لن تختلف في ذلك عما عاصرته بلدان عدة انتقلت حضارياً واقتصادياً من مؤخرة الحضارات إلى مقدمتها، فالصين التي تسير بخطى واثقة لتتصدر اقتصادات العالم وتحقق تنمية هائلة في كل جوانب الحياة بدأت ذلك بما يعرف بـ(المسيرة الطويلة) وكانت بداية التغيير حيث تحول شعب معظمه مزارعون أميون خلال (50) عاماً إلى أكثر الشعوب في العالم إنتاجية وأكثرها تعليمًا، وواجهت سنغافورة بعد الاستقلال تحديات جمة تمثلت في شعب غير متعلم ومتعدد الأعراق، كان من إفرازاتها تولي (لي كوان) قيادتها لتصبح في قمة قائمة الدول المحققة لأعلى مستويات دخل للفرد.
التاريخ ما زال يذكرنا بأن معظم دول العالم التي تطورت بسرعة مذهلة، لم تحقق ذلك من خلال الديموقراطية وتجاذبات المجالس النيابية وتنازع الأحزاب السياسية، بل حققها لها رجال مخلصون تولوا قيادتها ردحاً من الزمن وأحياناً بصورة دكتاتورية وفردية، ولكن بتجرد من المصالح الذاتية وتفانياً وتنور وإخلاص لأوطانهم، هؤلاء الرجال منهم من أطلق شرارة التغيير ثم اختفى ومنهم حمل الشعلة التي اتقدت ليسير بها ويحقق لوطنه ذلك التغيير الذي صنع منه أمجاده، والشعوب المتقدمة تحتفل وتحتفي بشخصيات كان لها أثر عظيم في بناء حضارتها ومجدها.
أنا في هذا المقال أسجل للتاريخ أن رجلاً سيظهر في بلادنا سوف يرفع شعلة التغيير والتنوير والتطوير والتنمية عالياً لتضيء الآفاق وبها تنتقل المملكة إلى مصاف الدول العالمية المنتجة والمحققة للحضارة البشرية, هذا الرجل سيكون صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وهذا الكلام ليس محض تفاؤل أو توقع، بل هو مبني على متابعة وتتبع لنشاطات وقرارات وتصريحات سمو الأمير، حيث يتميز بأربع خصال هي المشترك الأعظم لمعظم القادة العالميين الذين غيروا مجرى التاريخ هي:
1 - استشراف المستقبل بعين التحفز.
2 - السباق مع الزمن والتأثير فيه عوضاً عن التأثر به.
3 - الحزم والمضي في المسير دون تردد.
4 - المحاسبة الصارمة وتجنب العواطف في القرارات الحاسمة.
هذه الخصال واضحة في مسيرة ولي العهد وضوح الشمس حتى يكاد يلمسها أكثر الناس بعدًا عنه، لذا أنا والله الحمد مطمئن إلى أن هذه البلاد بمشيئة الله قد أضحت على خط المسير الآمن نحو المستقبل، ومع ذلك نسأل الله بكل طاقة للدعاء أن يجعل في قرارات خادم الحرمين الشريفين كل الخير والتوفيق والعزة لبلادنا ومواطنينا، إنه سميع مجيب.