د. جاسر الحربش
من يعتقد أن أمريكا أو روسيا أو إيران أو تركيا ترضى بوجود نواة قوة تنموية عربية مستقرة قد تكون قدوة للعرب الآخرين فهو مغفل لدرجة السذاجة.
مثلما أن أمريكا ليست وسيطا نزيها بين العرب واليهود، كذلك تركيا ليست وسيطا نزيها بين قطر وجيرانها المنزعجين من تخريبها لأمن الخليج. حضر وزير الخارجية التركي للوساطة في أزمة مجلس التعاون مع آلاف الجنود بدباباتهم وعتادهم لتشغيل قاعدة عسكرية تركية في قطر. من الأمور التي يجب أن تثير التساؤلات بالأساس لماذا توجد في العالم الإسلامي، العربي وغير العربي، قواعد أجنبية قد تكون أكثر عدداً من المراكز العسكرية لكل دولة أجنبية على أرضها الوطنية الخاصة. من يرفع إصبعه ليستثني إيران يعرف أنه يكذب. في إيران حضور عسكري روسي قوي وتواجد استراتيجي للصين وكوريا الشمالية. ألا يكفي دول المنطقة التنسيق بين الأطراف المختلفة مع من تختاره من القوى العظمى باستخدام التقنيات العسكرية الحديثة التي تسبق مثيلاتها المدنية بعشرات السنين؟
مالذي تريد تركيا الحصول عليه من مجاورة قاعدتي العديد والسيلية الأمريكيتين في الإمارة الصغيرة كقيمة مضافة إلى ادعاء الوساطة لإنهاء خلاف الجيران أبناء العمومة قبل انتهاء شهر رمضان، كما طلب الرئيس أردوغان في اتصالاته الهاتفية. تركيا التي لا تستطيع تأمين حدودها مع سوريا والعراق تحاول في قطر أن تلعب عدة أدوار، منها الضغط لصالح قطر على الدول الثلاث المنزعجة من تصرفات الحكومة القطرية، واستباق إيران قبل تحقيق تحالف وحضور مع قطر وذلك وارد حسب الحسابات القطرية الجنونية، ومحاولة الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية لإعادة النظر في تدخلها العلني لصالح الكرد ضد المصالح التركية في سوريا والعراق. لكن كل هذا في كفة مقابل كفة الضغط على السعودية والإمارات والبحرين لإدخال تركيا في معادلة السيطرة على مستقبل الخليج العربي. لاحظ أن كل هذه الاهتمامات التركية لا تدخل فيها أية مراعاة لمصالح أهل المنطقة على الإطلاق.
الحكومة التركية الحالية مصابة بالرعب من فقدان المصداقية ومن الاتهام بالتخلي عن عملائها في العالم العربي وعن مشروع دولة الخلافة الكبرى، ذلك الحلم الملتبس بجنون العظمة حسب معطيات القوى في هذا العصر.
إيران تتفرج وتفرك يديها جذلا، والأمريكيون يضحكون على مغامرات القيادة التركية، وقطر تحولت إلى مركز متفجرات متعددة المصادر يهدد بحرب عالمية ثالثة.
كان العشم في الدولة التركية عندما عرضت وساطتها أنها فعلا لا قولا تنوي تهدئة الأمور كوسيط نزيه، وكأخ يريد إصلاح الأمور بين إخوته الآخرين. الحضور العسكري واستعمال مفردة حصار قطر في أدبيات التوصيف المتحيزة للأزمة الحالية تنزع عن تركيا مصداقية الوسيط وتضعها مع الغرب وإيران وروسيا كقوى تبتز المنطقة بحماقات عضو يعتقد أنه أصبح عملاقا بسبب الانتفاخ بالغاز في عقله القبلي البسيط.