د. عبدالواحد الحميد
لن يستطيع أيُّ إنسان، مهما حاول، أن يفهم كيف يجرؤ شخصٌ يدَّعي أنه مسلم على محاولة ارتكاب عمل إرهابي في الحرم المكي وفي العشر الأواخر من رمضان!!
لن يستطيع أي إنسان، سواء كان مسلماً أو غير مسلم أو كان مؤمناً أو كافر، فَهْمَ هذه العقليات الإجرامية الشيطانية التي تتذرع بدوافع دينية كي تقتل المعتمرين والمصلين في مكة المكرمة وفي الحرم وفي رمضان وفي العشر الأواخر منه!!
وهي العقلية نفسها التي ارتكب بعضُ أعضائها عمليةً إجرامية مشابهة في الحرم المدني في رمضان من العام الماضي!
هذا ما فعلته المجموعة الداعشية الإرهابية التي حاصرتها قواتُ الأمن في حي جياد المصافي الواقع داخل محيط المنطقة المركزية للمسجد الحرام، ثم قام عنصرُها بتفجير نفسه بعد إطلاقِهِ نيراناً كثيفة على رجال الأمن وفشل خطته الإجرامية. وقد تبين أيضاً وجود عناصر هذه المجموعة في موقعين آخرين بمحافظة جدة.
لقد كنا نقرأ في كتب التاريخ ما فعله الخوارج وبعض الفئات المنحرفة التي تدَّعي الالتزام الديني من أعمال جنونية إجرامية اعتدوا من خلالها على المسلمين، وذلك في حُقب زمنية ماضية، وكنا لا نستطيع أن تخيل كيف تتسمم أفكار بعض الناس الذين يتصورون أنهم يقومون بأعمال تخدم الدين، لكننا عشنا لنرى انبعاث هذه الفئات الضالة من جديد في زمننا الحاضر، زمن العلوم والعقل، بعد أكثر من ألف سنة على وقوع الأعمال الإرهابية من الخوارج وإخوانهم من الجماعات المنحرفة الفاسدة.
لقد كُتِبَتْ مئات الآلاف من الكتب والمقالات والدراسات التي حاولت أن تفهم أو تقترب من فهم الظاهرة الداعشية ونجاح منظريها وقادتها ودعاتها في تسميم وتخدير عقول الأتباع في بيئات إسلامية وغير إسلامية وتقنعهم بارتكاب أعمال إجرامية تقشعر لها الأبدان، بما في ذلك قتل آبائهم وأمهاتهم وأصدقائهم وأقاربهم والإقدام على الانتحار وقتل النفس!؟ لكنَّ كل هذه الكتابات والمحاضرات والندوات واللقاءات الإعلامية لم تستطع فهم هذه الظاهرة لأنها ظاهرة مجنونة لا يمكن تطبيق مقاييس المنطق والعقل لفهمها!
ألف شكر لرجال الأمن الذين حموا المعتمرين والمصلين في المسجد الحرام ومنعوا وقوع مجزرة في العشر الأواخر من رمضان؛ هؤلاء الرجال النبلاء الذين يخاطرون بحياتهم من أجل حماية الناس وبسط الأمن والأمان، ودعاء من الأعماق أن يحمي الله بلادنا من شرور المخربين المفسدين.