د. محمد عبدالله العوين
ماذا يضير قطر لو أنها سلكت طريق المحبة والسلام وابتعدت عن التهييج والتثوير وخلق العداوات والكيد الخفي والمعلن لجيرانها والتمثيل الكاذب الذي لا ينطلي حتى على أقل الناس فطنة وذكاء؛ فما بالكم بأنظمة الحكم التي تتكئ على بنوك معلومات دقيقة عن كل حركة أو سكون في السياسة القطرية فترصدها وتوثقها للمحاسبة حين يحين موعد الحساب؟! وقد حان.
ماذا يضير هذه الدولة الصغيرة الغنية لو تفرغت للبناء والتنمية، بينما استغلت إمكاناتها المالية وقدراتها الخبيثة في التخطيط واللعب بالأوراق والرقص فوق حبال العلاقات السياسية النفعية الواهية الكاذبة مع التيارات والجماعات الإرهابية وغير الإرهابية؟! ماذا لو استغلت كل تلك الإمكانات في البناء والتنمية وخلق بيئة حضارية مزدهرة نامية منفتحة متصالحة مع جيرانها والعالم لتغدو في يوم ما كـدبي مثلا؟!
كنت أتمنى أن تكون كذلك؛ كما يتمنى معي كل عربي ومسلم لدولة منساقة الآن في طريق الشر والتخريب والهدم وخلق الكراهية والبغضاء والدم في كل شبر من أرضنا العربية الملتهبة بالحرائق التي خلقتها وكونت أعواد قشها عودا عودا دولة قطر - مع الأسف - بالتعاون والتنسيق مع قوى الشر والعنصرية والظلام والكهنوتية في إقليم الشرق الأوسط كإيران وإسرائيل، ومع قوى استعمارية كارهة للأمة العربية والإسلامية ولا تريد أن يكون لها موقع مهم بين حضارات العصر المؤثرة؛ كانتقام تاريخي من الحضارة العربية الإسلامية.
لكن قطر تريد أيضا أن تنتقم من التاريخ والجغرافيا وسياق الزمن، أو كأنها تريد أن تنتقم من الحظ والنصيب الذي أوقعها في الجغرافيا والمساحة والوزن والقيمة التي لم تردها ولم تقتنع بها؛ فكأنها في صراعها النفسي مع ذاتها أشبه ما تكون بالقط الذي يغضب ويشاكس ويؤذي نفسه أحيانا : لِم لَم أخلق أسدا؟! أو كأنها البقعة الصغيرة العائمة بين البحار التي لا ترى إلا بالمجهر : لِم لَم أخلق قارة لا جزيرة ضائعة تائهة بين المحيطات لا يراها الرائي إلا بالميكروسكوب؟! أو كأنها الشيخ العجوز الهرم الذي فاته ريعان الشباب وضاع عمره في التمني والتحسر على ما فات ولم يصنع شيئا وحين أدركه الهرم وجد نفسه صفر اليدين خالي الوفاض من القوة والقدرة الجسدية والذهنية التي يمكن أن تخلق له واقعا آخر مختلفا يحفظ له شيخوخته البائسة؛ فيعود إلى ذاته حانقا ينتقم منها ومن العالم كله بعد أن امتلأ بالحسد وكراهية الأقوياء من حوله الذين كان نموهم طبيعيا ومتصاعدا مستفيدا من كل مراحل العمر بدءا من الطفولة والفتوة إلى مرحلة الشباب والقوة والتأثير.
سلكت قطر للانتقام من الأقوياء - بدافع الغيرة والحسد - سلوك الضعفاء العاجزين عن المواجهة والمكاشفة فاتكأت على إظهار المودة وإبطان الكراهية، والتبسم والاحتضان بديلا للخيانة والانتقام، والوقوف مع والوقوف ضد في آن معا، أي سلوك طريقين لا يلتقيان في أية قضية؛ بل يهدم أحدهما الآخر.
ما الغاية - يا ترى - من سلوك معيب متناقض ليس له تفسير واضح كهذا؟!
الغاية إثبات الذات غير الموجودة إلا باحتراف حضور مضطرب غير سوي في أية مشكلة تحدث في أي مكان من العالم؛ لكسب الأضواء بالفلاشات الإعلامية، ولكنها في الوقت نفسه تدفع الأحداث نحو الطريق الذي يكسب منه عدو الأقوياء، أي عدو المملكة العربية السعودية وحلفائها على الأخص، وهو بالطبع العدو الذي يحتل الرقم (1) إيران؛ نكاية بالمملكة وإضعافا لدورها وإشغالا لها وإقلاقا لأمنها؛ كما هو حاصل الآن في تطورات الفوضى التي خلقتها قطر بما أسمته كونداليزا رايس «الفوضى الخلاقة» التي خلقت بالفعل الدم والخراب والشتات والتخلف في خمسة أوطان عربية، وكانت قطر تدفع الحرائق لتصل إلى المملكة؛ ولكن الله حماها وحفظها من كيد الأشرار.
قطر تظهر في أية أزمة بوجهين أو بموقفين: خفي يناقضه معلن، عملي يخالفه قولي، هادم يخالف بانياً، مخرب يخالف معاونا، عدو يناقض صديقا، كاره يتقمص رداء محب!