محمد سليمان العنقري
يُعد شهر رمضان المبارك موسمًا رئيسيًّا للاستهلاك على السلع الغذائية عمومًا، بل إن كثيرًا من المنتجين والمستوردين يعتبرونه أهم شهر في السنة لتصريف بضائعهم ومخزونهم، ويعادل وحده ما يتم استهلاكه في فصل كامل، أي ثلاثة أشهر، أي أنه يضيف شهرَين استهلاكيَّين للسنة لتصبح 14 شهرًا.
فحجم الإنفاق على السلع الغذائية الأساسية يصل في رمضان إلى نحو 20 مليار ريال من أصل 160 مليار ريال، تنفق على هذه السلع سنويًّا، أي أن الإنفاق برمضان يرتفع بنحو 30 %. وهذه الزيادة تشمل مجمل السلع الغذائية، لكن في التفاصيل؛ فبعض هذه السلع يتضاعف الطلب عليها. وحتى نكون أكثر دقة، فالمقصود أنه ترتفع فاتورة شرائها؛ لأن الهدر ما زال مرتفعًا؛ فالأرز يتضاعف استهلاكه ليصل إلى 9 آلاف طن يوميًّا، وإجمالي شهر رمضان لا يقل عن 260 ألف طن. وهذه الكمية لا تشمل الطلب على زكاة الفطر التي يقدر الطلب عليها بنحو 60 ألف طن. كما أن استهلاك العصائر يرتفع 30 %؛ ليصل إلى 140 مليون لتر من أصل 1.3 مليار لتر سنويًّا. وكذلك يرتفع استهلاك اللحوم بنسب مشابهة تقارب 30 % أيضًا؛ إذ يصل حجم الاستهلاك من اللحوم المجمدة فقط إلى 19 ألف طن. وبالرغم من أن عدد ساعات الإفطار في رمضان لا تتعدى عشر ساعات إلا أن الاستهلاك يزيد على بقية شهور العام؛ ما يشكل ظاهرة جديرة بالبحث لمعرفة حجم الهدر من الاستهلاك الفعلي.
ففي تقارير عديدة رصدت حجم الهدر بالغذاء عالميًّا كان ترتيب المملكة من أعلى الدول عالميًّا؛ إذ يبلغ نحو 250 كلجم سنويًّا للفرد الواحد، فيما يصل متوسط هدر الفرد عالميًّا 115 كلجم؛ فالمملكة تستورد جل موادها الغذائية ومع هذا الحجم من الهدر الذي يقدر بنسبة تصل لنحو 30 إلى 40 % من حجم المواد الغذائية بالسوق المحلي، وبقيمة تقدر بنحو 50 مليار ريال سنويًّا. وهذه الأموال يمكن أن تكون ادخارًا للأسر والمجتمع عمومًا، فهي تهدر لصالح منتجين بدول بالخارج نظرًا لاستيرادنا جل السلع الغذائية. فالحاجة لدور توعوي من جهات عديدة بات أمرًا ملحًّا لمنع هذا الهدر والاستنزاف للموارد المالية والغذائية نظرًا إلى أن حجمها يصل لنسب مرتفعة جدًّا، ويشكل عبئًا على ميزانية الأسرة والاقتصاد عمومًا.
رمضان شهر المغفرة، وهو أفضل شهور السنة؛ ففيه يتقرب المسلم من ربه بالدعاء والصلاة والقيام، وفيه حِكم كثيرة من الله -عز وجل- منها أن يشعر الناس بمعاناة الفقراء، وليس شهرًا للإسراف بالأكل وزيادة في الهدر.. فترشيد الاستهلاك من قِبل الفرد والأسرة هو في مصلحتهم، ويقلص الضغط على نفقاتهم والتزاماتهم. ومن المهم أن تبدأ العديد من الجهات بعمل إحصاءات دقيقة عن حجم الاستهلاك، والانتقال للتوعية باحتياجات الفرد الفعلية من الغذاء والتوعية بطرق الترشيد المناسبة، التي يمكن أن تنجح لتغيير نمط الثقافة الاستهلاكية وإيقاف الهدر الكبير بالسلع الغذائية.