عبدالوهاب الفايز
ما زلنا نعيش حالة الاحتفاء بالحدث الوطني الكبير الذي شهدناه. والحدث هو تجدد أصول وأدبيات الحكم التي أدت إلى استمرار الانتقال السلمي للسلطة؛ فقد تم نقل ولاية العهد من الأمير محمد بن نايف إلى الأمير محمد بن سلمان حسب الأصول السعودية المعروفة، أي بالتراضي وبرأي الأغلبية الممثلة للأسرة المالكة في هيئة البيعة، وهذا هو الاحتفاء الحقيقي الذي يجعلنا نرتاح ونطمئن على مستقبل بلادنا.
أحد ضمانات الاستقرار لبلادنا يتحقق عبر وحدة وتماسك الأسرة المالكة. وقد شهدنا المبادرة السريعة من سمو الأمير محمد بن نايف لتقديم البيعة والمباركة وإبداء روح الأخوة النبيلة للأمير محمد بن سلمان. وهذه الروح الكبيرة لا نستغربها نحن السعوديين، ولا يستغربها كل من يعرف مدرسة الراحل الكبير الأمير نايف بن عبدالعزيز الذي عاش عمره يناضل لأجل وحدة البلاد وتماسكها، والأمير محمد بن نايف هو ابن موروث جده الملك المؤسس، وتلميذ مدرسة والده، وهكذا تتكرس أدبيات الحكم عندما يكون الأبناء الأحفاد أول المضحين والمباركين لكل ما فيه المصلحة العليا لبلادنا.
والمصلحة العليا للشعب السعودي تأتي في أولويات وحرص الملك سلمان، فمنذ تسلم الحكم وهو يعمل على استمرار البناء فوق ما تم إنجازه، فقد استمر في تبني وتنفيذ المبادرات والمشاريع التي تأخذ الدولة إلى حقبة جديدة، كما فعل والده الملك المؤسس. وفي الأوامر الملكية الأخيرة استقر إجماعنا على أننا نستشرف مرحلة جديدة.. بأفكارها وتصوراتها ورؤيتها للأمور. وهذا تجديد لذهنية الحكم التي عرفناها والمنسجمة مع تطور وارتفاع حجم تطلعات الشعب السعودي.
ومن ملامح المرحلة الجديدة إدخال جيل جديد من الأمراء الشباب بعد اختبارهم في الأماكن المهمة لصناعة القرار الوطني. ويأتي في مقدمة هؤلاء سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي يأتي إلى ولاية العهد بعد اختباره في العديد من الملفات الوطنية والإقليمية والعالمية الكبرى. كما أنه في فترة قصيرة حظي بتقدير الزعامات العالمية، والأهم أنه حظي بثقة الشعب السعودي، وثقة والملك.
والملك سلمان، وهو التلميذ المخلص لتاريخ الدولة السعودية، والعارف بأصول الحكم والزعامة، لن يقدم على قرارات مصيرية للشعب السعودي قبل تدبر الأمور واستقبال الدروس والعبر، ثم الحزم والعزم والتوكل على الله سبحانه وتعالى.
ومما يجعلنا نطمئن على حكمة الملك سلمان وتدبره للأمور ما نجده في تعديل النظام الأساسي للحكم الذي جعل استمرار الملك في الأصلح من أحفاد الملك عبدالعزيز، ولم يحصر اختيار الملك مستقبلاً في فرع معين من أبناء الملك المؤسس، وهذا يعطي مؤشرًا على حرص الملك سلمان على مستقبل البلاد، وعلى مستقبل الأسرة المالكة؛ فالآن المجال مفتوح لـ(الأصلح) والأجدر بتحمل أعباء الحكم ومسؤولياته من الأجيال القادمة، فيومئذ كل ما عليها هو إعداد نفسها لتحظى بشرف خدمة الشعب السعودي، بلاد الحرمين الشريفين.
بلادنا تستحق الكثير من عطاء أبنائها، سواء أبناء الأسرة المالكة أو أبنائها القيادات من الشعب.. تحتاج منهم إلى الإخلاص الذي يعزز التلاحم الوطني، والتلاحم يتعزز ويتوسع بفضل الله، ثم بفضل قوة وتماسك العائلة المالكة. لقد أثبتوا في كل الظروف أنهم صمام الأمان لبلادنا، ونحن ظللنا نتعايش مع روح الإجماع هذه لسنوات عديدة، والتلاحم يقوى أيضًا بإدراك ووعي كل صاحب سلطة ومسؤولية في الدولة بضرورات واستحقاقات الوحدة الوطنية.
ثمة أمر مهم جاء في سياق التغييرات الأخيرة، ويجعلنا نطمئن على الوحدة الوطنية وتماسك الجبهة الداخلية، هو أن نرى موروث الراحل الكبير الأمير نايف بن عبدالعزيز -يرحمه الله- يتجدد ويستمر في وزارة الداخلية؛ فالأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف، الذي حظي بثقة الملك سلمان ليكون وزيرًا للداخلية، هو ابن مدرسة نايف الإنسان والقائد ورجل الدولة، فقد كان قريبًا من جده، يرى كيف يدبر الأمور، ثم كان في رعاية عمه الأمير محمد يتعلم منه إدارة الملفات الكبيرة.
وطبعًا ملف الإرهاب هو الأبرز في عمل وزارة الداخلية، والأمير محمد بن نايف سوف نبقى نحن السعوديين نتذكر دوره الكبير في الحرب على الإرهاب؛ لذا نحن على ثقة بأن الأمير عبدالعزيز سوف يواصل جهود وزارة الداخلية في هذا الملف، كما أن الوزارة سوف تستمر في دورها الإنساني والاجتماعي والتنموي الشامل الذي بناه الأمير نايف -يرحمه الله-.