د.فوزية أبو خالد
-1-
لطالما امتعضت من طلب رئيس التحرير بألا يتجاوز عدد كلمات مقالي الأسبوعي عن 500 إلى 600 كلمة، ليس فقط نفوراً من فكرة التحديد، ولكن لأن مقال صفحة الرأي وإن كان أسبوعياً كما أتابع في الصحف إلا أنه يختلف عن طبيعة العمود الأسبوعي أو اليومي فيما يفترض من اتساع مداه السردي أو التحليلي. غير أنني اليوم لم يكن عندي مانع من التجاوب مع الطلب وقد جلست إلى الكمبيوتر ما يزيد على سبع ساعات في يوم عيد ولم أستطع كتابة كلمة واحدة، حيث أجد صعوبة مرهقة في تخير موضوع للكتابة. ولا أجد سبباً لهذا التعثر النادر على كاتبة تكتب أسبوعياً لربع قرن وعقد إلا إحساسي الفادح بحاجة شديدة للتفكير العميق قبل أن أقرر على الكيفية التي يمكن أن أكتب فيها عما يشغل الكاتب والقارئ من مواضيع دون أن يعاد إليَّ المقال أو يُمنع من النشر، أو دون أن أعجز عن التوصل أصلاً إلى قرار في أي من المواضيع أريد الكتابة هذا الأسبوع أمام فيض اللحظة. ولا أدري كيف - ما شاء الله - يستطيع بعض الكتاب أن يكتب دون أن يرف له جفن فيما يشاء من مواضيع دون أن يحتاج مثلي للتفكر ملياً وللوقوف بدهشة كتلميذ صغير إزاء رياح التحولات أو نسيمها وأمام مدرارها أو هتانها.
-2-
لا احتمل الفراق وإن كان لأوضاع أو أمكنة كنت أشكو منها فكيف حين يكون الفراق فراقاً لشهر رمضان. شهر تسمو فيه الروح وترهف الحواس ويخف الجسد فلا نعود ننوء بسلطة الجاذبية على حركة الأجنحة.
وقد ازداد إحساسي بوحشة فراق شهر رمضان وبدأ يتعمق فهمي الوجودي لتلك الدعوة المرهفة التي طالما سرقت انتباهي منذ كنت طفلة "اللهم أجبر كسر قلوبنا على رحيل رمضان"، مع ازدياد وطأة الحالة السياسية العربية وارتفاع منسوب ترديها الذي حوَّل أحلام إصلاحها السياسي إلى حطام وحوَّل شعبها إلى مشردين ولاجئين ومتحاربين أو منكل بهم ومقموعين على أرضهم. فرمضان هو الحالة الوحيدة التي نحاول أن نتداوى بها من حالة التردي حولنا ولو بأبسط أشكال المقاومة المتمثلة في الصيام، فالامتناع عن الأكل والشرب يصبح كالكتابة نوعاً من الاستشفاء وإن مؤقتاً لعجزنا المزمن أمام خروج الحدث السياسي والعسكري عن سيطرة العقل والرشد ومسارات المستقبل.
-3-
الكوليرا تهدد أطفال اليمن، والغارات تهدد أطفال الحد الجنوبي لولا يقظة الجنود البواسل في كل طرفة عين. ولكن ليس من شعب عبر الحدودين يستطيع أن ينام قرير العين. وجود الجرح مفتوحاً جنوباً يشكل شوكة بين الأضلع لكل صاحب ضمير منا طوال العام، ولكن في المناسبات يزداد سعير النار ليلاحقنا في الصحو والأحلام. للعام الثالث ونحن كلما استقبلنا شهر رمضان نحس بغصة وقت الفطور ونشعر بغصة وقت الإمساك، وحين نودع الشهر الفضيل لا نقوى على استقبال العيد بما يليق به من فرح ونحن نتجرع كدر الماء وكدر الحبر وكدر الحليب وكدر النفط في كل لحظة تستمر فيها حرب كنا نريدها قصيرة ونظيفة تعيد الحق إلى نصابه وتعيد الاعتبار للسلام. فهل نلوم عدواً لا يعقل، هل نلوم تجار السلاح، هل نلوم ميليشيات شباب باعت أرواحها للشيطان وتعمل على جرنا إلى حروب استنزاف أو ندع الملامات ونعمل العقل على البحث بروح فارس لا يهاب إعادة الحسابات على وضع نهاية لهذه الحرب تحفظ الموارد وتفرض حرمة الجوار وتعيد لأطفال اليمن ولشعب اليمن المنكوب بالتنفذ الطائفي على أرضه كرامة الصحة والتعليم ونعمة الاستقرار. ومع أنني لا أدري كيف إلا بالبحث سبل التفكير الرشيد فإنني أدري بأن قيادة السلام أصعب وأدهى من قيادة الحرب، ولاسيما حين يكون الطرف الآخر فيها الحوثي والمخلوع نيابة عن إيران.
-4-
من قال لا جديد تحت الشمس لم يكذبومن قال لا يمكن الاغتسال بماء النهر مرتين لم يكذب أيضاً
فكيف يصح الضدان، ربما نحتاج للبحث عن إجابة أن نسأل الساسة أو الشعراء أو علماء الفيزياء، فهذا يعتمد على نوع الإجابة التي نريد التوصل إليها أو نشتهي اكتشافها.
-5-
"إلى الذين يعيشون بهدوء وصمت خارج هذا العالم الذي يتطلب تحديثاً كل دقيقة"
عن شاعر سوق عكاظ محمد التركي مع التحية
"كلما ظننت أنني فهمت الحياة نزلت تحديثات جديدة "لا أذكر أين قرأت هذه العبارة البليغة ولكنها تعبِّر عن حالي كلما أشتريت جوالاً جديداً أو تآلفت بشق الأنفس مع بعض العادات المعيقة.