فوزية الجار الله
يتناهى إلى سمعي صدى تكبيرات بعيدة ما بين همهمات شوق وحنين وهمسات دعاء، وانتهت أيام الروحانية الجميلة، لعل شهر رمضان قصير في حكم الزمن لكنه مليء فياض في أعين المؤمنين الموقنين بعظمته، لذا حين يغادرنا لابد أن يُحدث هزة عظيمة في أعماقنا.
وها نحن الآن نعيش هذا المفترق ما بين روحانية الشهر والأيام المعتادة التي يفصلها أيام قصيرة هي العيد وهو فرصة للقاء الأصدقاء والأحبة ولصلة الرحم.. رغم كافة الهموم والمتاعب والأحداث التي يضج بها وطننا العربي والعالم أجمع إلا أننا نتفاءل بغد أجمل.
من أجمل الكتب التي قرأتها منذ زمن كتاب «الرواية في الوطن العربي» للدكتور علي الراعي وهو كتاب ممتع يتضمن قراءة في نماذج مختارة من روايات عربية لكتاب وكاتبات، صدر الكتاب عام 1991م عن دار المستقبل العربي وقد ورد في مؤخرة الكتاب، على صفحة الغلاف الكلمات التالية: (.. ويهدف الكتاب إلى أن يقدم صورة بانورامية للإبداع الروائي، في أرض العرب جميعاً، من المحيط إلى الخليج، فرغم التمزق الحالي لا يزال ممكناً لهذه الصورة أن تُرْسم، لأن مئات الروائيين قد انكبوا منذ زمن على توفير أجزائها. واليوم هي جاهزة للتجميع والعرض في كل عواصم العالم).
يقول د. علي الراعي في أحد أحاديثه «إنني لا أكتب نقدًا بقدر ما أحاول أن أرد الجميل للكاتب الذي أمتعني من خلال كتاباته..» ومن هنا يبدو جمال ومتعة الكتاب..
وفي صفحات المقدمة في مقال للكاتب تحت عنوان (المجد للرواية العربية) يقول الكاتب (الإنسان العربي مقهور، مُضيّق عليه في الرزق والرأي والمسكن. تقهره الأنظمة جميعاً، وتستعبده الأعراف البالية، وتسكن روحه وتعشش فيها أشباح أناس وأصداء أقوال عاشت وصدرت في الماضي السحيق ولا تزال تجد طريقها إلى عصرنا..)، ويتابع قائلاً: (ولأن الفرد العربي مقهور فهو يسعى إلى أن يقهر غيره ممن يستطيع غضبه أن يصل إليه، ومن ثم يضيّق الرجل العربي على المرأة العربية..) ويورد مثالاً لقهر المرأة من خلال أكثر من رواية منها رواية رضوى عاشور «حجر دافئ»..
ويرى الكاتب بأن الرجال مقهورون أيضاً ويورد مثالاً لذلك رواية للكاتب السعودي عبدالرحمن منيف «شرق المتوسط».. ثم تقرأ كلمات لبطل الرواية «رجب» المناضل الذي زجت به السلطات إلى غياهب السجون (في شرق المتوسط ينتزعون من البشر كل شيء: الدموع، الرغبة، وحتى الذكريات، أما الأفكار التي تعبر رؤوسهم في الليل فهم يحيلونها كلمات وأسماء يستودعونها تقارير الملاحقة وفي مقابل هذه الخدمة يمنحون الإنسان الضرب والألم وحنيناً موجعاً للنهايات والموت».
أتوقف هنا وأسترجع وأقول لكم بإصرار: في العيد احتفظوا بابتساماتكم وابحثوا عن قراءات تبعث البهجة والسعادة في أرواحكم وثقوا بالله ثم بالمستقبل، غداً ستشرق شمس أبهى وأجمل فلا يأس من رحمة الله.