عبده الأسمري
سؤال يراودني كل عيد.. هل هذا العيد أفضل أم العيد الماضي أجد أن إجاباتي تتراجع للوراء وتسجل النقاط بتزايد عامًا تلو الآخر..
أتذكر «مشهد الطفولة « ونحن صغارًا في البكاء على ذبح «الأضحية» ورحيلها بعد أن كنا نلعب معها يومين في ألفة بريئة تسبق الموت من جهة والضحك فرحًا بوجبة عاجلة من الشواء الذي كان نصيبنا منها «لقمة هنية» قبل إعداد وجبة الغداء من جهة أخرى.
استرجع شريط مشهد العيد البسيط في القرية والذي كان فيه أحد المسنين ينام محتضنًا «حلوى قدم بها ليفرح أطفال الحي بعد الصلاة ليس في قاموسه سوى البهجة وإبهاج الاخرين ومشهد لعب صبية بالحصى في أطراف المشهد .وثمة تمتمات بين شباب يتمازحون في الظفر بمكان فيه متكئ لإراحة أجسادهم. وسط ذلك كانت رائحة «الخبز» النابعة من البيوت المجاورة تغرق المكان بالشهية الباكرة لوجبة إجبارية جاهزة في كل منزل ومهيأة لكل الجيران والزوار. لم يكن هنالك أصوات سيارات رياضية تقطع الخطبة أو مايكروفون يزهق الاذان بتردد الصدى ولا هواتف جوالة تسرق الناس من الاستمتاع بمنظر ملابس المصلين وقصص المرح في كل جنبات المشهد.
كان الكل فرحًا مرحًا مبتهجًا قدموا للمشهد لتسجيل مشهد إنساني وقصة سيكولوجية ممتعة ليس فينا من واصل الليل بالصباح ليؤدي الصلاة كتأدية واجب.. لم يكن هنالك تفاخر بالملابس أو مفاجآت فالكل قد تقابل في أسواق محددة لبيع الملابس فالكل يعرف ماذا لدى الآخر وقد يتشاركون في اختيار النوعية واللون وكان الجميع في منزل واحد وعلى قلب رجل واحد كان العيد حينها «فرحًا غامرًا» و»مرحًا عامرًا» مرت السنون توالت الأزمنة تم تسوير مشهد العيد بدأ كبار السن يموتون ..تناقص أعداد الشجر ..تغيرت مسارات الأقدام التي كانت خارطة فاخرة تزين معالم المكان اندثرت أصبح مكانها «عمارات سكنية « وأبراج جوال وطرقًا معبدة سوداء اللون طغت على ملامح الإخضرار وطمست رائحة «الطين» الذي كان يتصاعد ملوحًا بعنوان الأصالة .تغيرت الأرض الترابية النقية لتتحول إلى لون سجاد أحمر يعكر المزاج ويغير اعتدال النفس ويخالف الذوق. أغلقت الأبواب وباتت محصنة بسياجات مؤلمة تعادي العيد وسماعات استئذان تجعلنا تحت قيود الاستعداد لاغية التلقائية التي كانت سرًا من أسرار سيكولوجية فريدة كانت وقودًا معنويًا يمدنا من عيد لآخر. لم يعد هنالك شجر نستظل تحته للاحتفال بألعاب العيد البسيطة. وأصبحت الوجبات الرئيسة أيام العيد تطلب من المطابخ مغلفة بالقصدير ومشبعة بالمواد الحافظة. أما وجبات الاطفال فألغيت واستبدلت بوجبة «برجر» بردت ليلاً لتسخن صباحًا وتسكت أفواه الصبية الجائعين المنكبين على جوالاتهم. لم أعد أرى الكتيب القديم بيد خطيب المشهد وإنما ورقة مطبوعة جاهزة تلقى على آذان غير صاغية وأشخاص منشغلين بشاشات الجوال . بين هذه الأزمنة وتغير الأماكن ورحيل الطيبين وانطماس الهوية النفسية للعيد بتنا في العيد أشخاصًا نؤدي العيد كيوم زائل ووقت جائل بلا طعم أو ذوق أو راحة دون فرحة أو بهجة وإنما «عيد بلا هوية إنسانية أو نفسية أو اجتماعية تحدد الوجه المفترض للعيد وإنما تأدية واجب وأداء أمور روتينية بكل بؤس.