يوسف المحيميد
كثير من المواطنين ممن هم في جيلي، أو حتى قبل ذلك، كانوا يشعرون بالقلق وإن لم يفصحوا بذلك، حول مستقبل البلاد على المستوى السياسي، رغم أننا جميعًا عشنا عهود عدد من الملوك الأبناء، كانت السلطة تنتقل بسلاسة وهدوء، فولي العهد يصبح ملكًا، والنائب الثاني يصبح وليًا للعهد، حيث الحكم مناط بأبناء المؤسِّس - طيّب الله ثراه -.
لقد كان القلق من احتمال النزاع حول الحكم من بعد الأبناء، ما لم يكن هناك نظام أو قانون يضبط هذه المسألة، لكن الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز - يرحمه الله - مستنداً على النظام الأساسي للحكم، أقر نظام هيئة البيعة عام 1427، وفيه تنظيم دقيق لما يشبه التصويت المغلق بين أبناء المؤسِّس أو من ينوب عنهم، لكن الأمر ما زال آمنًا لأننا لم نتجاوز بعد جيل الأبناء، حتى جاء الملك سلمان برؤيته وعزمه، فقرر الانتقال بالحكم من مرحلة الأبناء إلى الأحفاد، وقام بتعديل فقرات من نظام البيعة تضمن استمرار الحكم بعدالة بين الأحفاد من بعده (أطال الله عمره)، ولقد كانت نظرته الثاقبة - كما المؤسِّس - مؤمنة بأنّ جيل الشباب بما لديهم من طاقة وجرأة على التجديد والتطوير، سينقلون البلاد إلى مراحل متقدمة من النماء والازدهار، فاستعان بالأميرين محمد بن نايف، ومحمد بن سلمان، وسار بهما نحو الأمام، بما يمتلكانه من خبرة وكفاءة وطموح، ولينهلا من تجربته الطويلة في الإمارة والحكم، حتى اتخذ قراره، وبتأييد وموافقة هيئة البيعة، بإعفاء الأول وتنصيب الثاني وليًا للعهد، بسلاسة أدهشت العالم، تبعها مبايعة الجميع له، وعلى رأسهم الأمير محمد بن نايف، الذي دعا له بالعون والتوفيق في مهمته الصعبة.
ومن يلاحظ الأوامر الملكية الأخيرة، وما قبل الأخيرة، يدرك جيدًا أنّ الملك سلمان - أيّده الله - الذي سيسجله التاريخ كمؤسِّس للدولة السعودية الرابعة (دولة الأحفاد) استطاع أن يستقطب الأمراء الشباب، في مناصب عدة، كنواب أمراء مناطق، ومستشارين في الوزارات السيادية، وفِي الديوان الملكي، وغير ذلك، مما يعني أنّ هؤلاء يتهيأون منذ اللحظة لاستلام مهام السلطة في الوزارات السيادية، وكأمراء للمناطق، وغير ذلك من المناصب المهمة والحساسة، كي يقودوا الوطن بروح شابة وثّابة إلى مستويات جديدة من النمو والازدهار الاقتصادي والاجتماعي.
إنّ هذا التحول الطبيعي والتلقائي، والمدروس بعناية فائقة، أذهل دول الخارج كثيرًا من جهة، ومن جهة أخرى أشاع الطمأنينة في نفوس المواطنين، ممن يتساءلون ويعيشون القلق الذي ذكرته في مطلع المقال، ولا أجمل من مقطع معبر من ذلك المواطن الشيخ، الذي بايع الأمير محمد بن سلمان، وهو يخبره بأنه بايع الجد المؤسِّس، وأبناءه الملوك كلهم، وهاهو اليوم يبايع الحفيد لتدشين مملكة جديدة.