فهد بن جليد
هواتفنا في العيد تستقبل فيسات جامدة، نيابة عن لقاء تلك الوجوه التي نسينا معظم تفاصيلها الشاحبة، وتتلقى عبارات تهنئة بقوالب متكررة لا تشبه أبدًا نبرات تلك الأصوات المتحشرجة صباح العيد: تقبل الله طاعاتكم، من العائدين من الفايزين التي كنَّا نقولها أو نسمعها ونحن - نتلقى أو نطبع - قبلة العيد على يد أو جبين والد أو أخ أو قريب، أو عندما تعانق صديق أو جار للتهنئته بعيد الفطر السعيد، الذي ما زلت أقول إنه يمثل - برأيي - أحد آخر معاقل (الاجتماع الأسري) بتفاصيله الجميلة، وآخر الحلول الممكنة لرؤية بعضنا البعض بشكل واقعي ومحسوس، بدلاً من الحياة الرقمية التي حرمتنا واقعنا الجميل الذي كنّا نتغنى به، وبالمشهد الأصلي للأسرة السعودية التي تمثل نواة المجتمع المسلم المتماسك والمترابط، قبل أن تغزونا بدائل ووسائط إلكترونية زادت علاقاتنا وحياتنا تعقيدًا يومًا بعد آخر، لتسرق منّا الواقع بكل أحاسيسه وتفاصيله، وتجعل ما يجمعنا - بمحيطنا ومن هم حولنا - مجرد مشاهد وقوالب رقمية في عالم افتراضي لا أكثر.
الرسالة النصية أو الواتسبية أو السنابة العابرة أو التغريدة الجماعية.. إلخ من تهاني المجاملة التقنية، عبر الهواتف الذكية وحسابات التواصل الاجتماعي، يجب ألا نعتبرها تهنئة مكتملة الأركان، فهي بمنزلة برقيات التهاني وخطابات الشكر والمجاملة التي تتبادلها مكاتب العلاقات العامة في الوزارات والشركات، بينما العلاقات الفردية والشخصية والإنسانية تتجاوز هذا المفهوم المؤسسي الجامد، وهي في أقل صورها المقبولة (مكالمة هاتفية) عند تعذر اللقاء أو الزيارة، أمَّا دون ذلك فهي مجرَّد تحليلة قسم، وتخاذل عن الواجب الأسري في دائرة العلاقات الأسرية الواسعة، وتهرب اجتماعي عن العلاقات الأكثر اتساعًا في دائرة الأصدقاء والمعارف والجيران..
تذكر أن أيام العيد تمثل ميزانًا صادقًا لكشف حساب العلاقات الإنسانية الحقيقية، وما يربط أبناء المجتمع الواحد بعيدًا عن التكاسل، وفوبيا العلاقات ولقاء الآخرين، وغيرها من الأمراض التي أصابتنا عندما لعبت التقنية أدوارًا كثيرة نيابة عنا.. في العيد عليك الاختيار بين أن تكون رقمًا متكررًا، ومجرد رسالة محشورة وسط زحمة تهاني ومجاملات، وبين أن تمثل حياة حقيقة نتعطش لها جميعًا، حتى نسهم في التخلص من تلك العلاقات العابرة في الحياة، التي تشبه عادة ما يحدث في محطات القطار.. عيدكم مبارك.
وعلى دروب الخير نلتقي.