علي الصراف
قبل العام 2014 لم تكن هناك أي أزمة في العلاقات القطرية مع أشقائها الخليجيين.
كانت هناك مؤشرات كافية لإثارة القلق من بعض ما يبدو وكأنه تصرفات مريبة، إلا أن ذلك لم يشكل حافزا للدفع بالعلاقات مع قطر إلى مصاف الخلاف المعلن.
الأزمة بدأت عندما انكشفت التسجيلات الشهيرة التي يتحدث فيها كبار المسؤولين القطريين عن تهديدات للسعودية وعن توجهات لاصطناع تقسيم وإثارة اضطرابات واغتيالات، وعن محادثات تجري في الخارج بهذا الشأن.
كان ذلك أول الخيانة. فبدلا من التحدث مع العقيد معمر القذافي بشأن تلك المؤامرات (وكان خصما قذرا للجميع، ولنفسه أيضا) فقد كان من الأولى بمَنْ يتصف بالحد الأدنى من الأخلاق والشيم أن يرفع سماعة الهاتف ليخبر «حلفاءه» الخليجيين بما يُخطط له، أو بما يُفكر فيه الذين يعانون من الهستيريا في بعض مراكز الأبحاث الغربية.
لو كان هناك مقدار ولو محدود من الأخلاق، لكي لا نقول الشعور بالمسؤولية، لكان الواجب يقتضي من أولئك المسؤولين مفاتحة «أشقائهم» السعوديين، لتدبر رد فعل مشترك، أو لاتخاذ ما يتوجب اتخاذه من إجراءات تعزز أمن الجميع. على الأقل، احتراما لكل ما تعنيه الشراكة السياسية والاستراتيجية التي يمثلها مجلس التعاون الخليجي.
الصدمة الحقيقية جاءت من أن تلك التسجيلات كشفت بالأحرى عن تواطؤ رخيص مع تلك الخطط، وعن استعداد للدفع بها قُدما، وعن تورط مباشر للتنفيذ. وكأن عقودا طويلة من علاقات الشراكة والتحالف كانت مجرد وهم.
لم تعد هناك ثقة. وكان من جسيم الخطأ أن تعود الثقة إلى ما كانت عليه.
بعض الأمل جاء مع تولي الأمير تميم السلطة خلفا لوالده. ومع تعهدات قطعتها قطر على نفسها للحفاظ على أمن دول المنطقة، وعدم التورط بما يُسيء إلى علاقات الشراكة، قال الأشقاء الخليجيون، عفا الله عما سلف، وإن صفحة جديدة يمكن أن تُفتح.
مضت ثلاث سنوات والأشقاء يراقبون. لم يتغير شيء على أرض الواقع. الثقة التي انهارت عام 2014، ما كانت لتنهض من جديد من دون عمل مخلص يقطع مع الماضي، على كل وجه من الوجوه التي يمكن أن تثير القلق أو تجدد التحفظات. إلا أن هذا العمل لم يأت. وظلت قطر تتعكز على ما تقول إنه «سيادة» و»كرامة». وكأن هذه السيادة والكرامة يجوز لها أن تهدد سيادة وكرامة الآخرين.
ثلاث سنوات، والحوار جار، واللقاءات متواصلة، والأمل قائم. حتى جاء ما ينكأ الجرح من قبل أن يبرأ. وكأن الأقدار أرادت أن تفضح القبيح بقبحه.
فالذين قادوا قبح التآمر ضد السعودية، والإمارات والبحرين ومصر وتونس وليبيا، حتى ولو انسحبوا من الواجهة، فقد ظلوا يحركون باقي الأشياء كالدمى. حتى لم يعد بوسع أحد أن ينظر إليهم إلا بوصفهم «اختراقا» أمنيا يهدد المنطقة بأسرها.
اليوم تتباكى قطر على ما تقول إنه «حصار»، بل وتنتحب سعيا إلى «الحوار»، وتجند صداقاتها للبحث عن وسطاء من أجل أن تتخفى خلفهم، أو من أجل أن تخفي وجها ظل يتعمد الوقاحة والقبح، بدواعي «السيادة» و»الكرامة» نفسها.
لم يعد لدى كبار المسؤولين القطريين السابقين «وجه» يستطيعون أن يقابلوا به أحدا على ما فعلوه وما خططوه. ولا أدري إن كان يمكن للسيادة والكرامة أن تعني شيئا يسمح باستئناف حوار لم ينفع.
شيء واحد، كان من الحلو (في كل هذا المُرّ) لو أن محركي الدمى أدركوه، وهو أن لدى الدول الأخرى سيادة وكرامة أيضا.
سؤال واحد، في المقابل، كان من الحلو لو أن «الوسطاء» تأملوا به: عندما لا ينفع الحوار، ماذا تفعل؟
ولكن هذا كله في كفة، والعزة بالإثم التي تُمسك بتلابيب قطر، في كفة أخرى. حتى لكأنها بما تمارسه من اعتداءات وأعمال تصعيد، تقول: إنها لا تريد الحوار فعلا.