د.سالم الكتبي
من الواضح أن دوائر صنع القرار في القيادة القطرية تعكف على شيء واحد الآن، وهو كيفية الهروب من دائرة المقاطعة والإفلات منها من دون تقديم أي تنازلات تمهيداً لتنفيذ خطة ما بعد المقاطعة، وهي خطة تقوم على شن حملة إعلامية للترويج لانتصار سياسي مزعوم لأمير قطر!!
تحليل التحركات السياسية والإعلامية القطرية يقود إلى أن الأمير تميم ومعلمه عزمي بشارة وغيره من قادة تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي يحاولون استنساخ تجارب تزخر بها ملفات التاريخ، واستدعاء بعض المواقف التي خرجت فيها بعض الدول والحركات والتنظيمات مكسورة ومهزومة ثم ادعت النصر والبطولة بعد ذلك!!
ما يشجع أمير قطر على ذلك هو عدم مبالاته بالثمن الباهظ الذي يمكن أن يدفعه الشعب القطري جراء اندفاع القيادة القطرية وارتمائها في أحضان إيران وتركيا على حساب الحاضنة الطبيعية والتاريخية والقومية لشعبه ودولته، وهي دول وشعوب مجلس التعاون، كما يشجعه على ذلك أيضاً وجود الآلة الإعلامية التي أنفق، ولا يزال، عليها مليارات الدولارات، والتي تعمل بمثابة بوق للدعاية القطرية التي يتخفى وراءها الإخوان المسلمون في صراعهم مع الدول العربية والخليجية.
يراهن أمير قطر على أن معايير النصر والهزيمة معايير «زئبقية» و»مطاطة» في منطقتنا العربية، ولابد وأن حلفاءه الإيرانيين قد ذكروه بتجربة «حزب الله» اللبناني، وأيضاً حركة «حماس» الفلسطينية، اللتين تسببتا في إشعال حربين ضروستين خاضتهما إسرائيل ضد لبنان تارة وضد قطاع غزة تارة أخرى، وفي الحربين لم يدفع الحزب ولا الحركة مقابلاً من دماء عناصرهما ولا منشآتهما التحتية، بل دفع الشعبان اللبناني والفلسطيني الثمن باهظاً جراء العمليات العسكرية الإسرائيلية التي استهدفت ملاحقة عناصر «حزب الله» و»حماس»، وفي كلتا الحالتين اختفت هذه العناصر، بمن فيها حسن نصر الله، الذي لا يزال يعيش مختبئاً تحت الأرض، كما دمرت البنى التحتية اللبنانية ونظيرتها في قطاع غزة بسبب القصف الإسرائيلي، ثم خرج نصر الله ومشعل يعلنان النصر ويرقصان على جثث مئات القتلى الأبرياء من المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين!
النصر في مفهوم هذه التنظيمات مرادف للبقاء، بمعنى أن الهروب من ساحة القتال والاختباء والبقاء على قيد الحياة يعني النصر بغض النظر عن المقابل المادي والبشري الذي تتحمله الشعوب جراء هذه الحسابات الشخصية الخسيسة، التي تتاجر بالبشر ولا يصعب عليها التفريط في أرواح مئات الأبرياء من أجل نصر مزعوم!!
هذا التفكير البائس الذي يزعم الفوز بنصر عسكري حتى لو كان الواقع يشير إلى دمار وخراب على الأرض، هو تفكير ميلشيات وتنظيمات تستطيع الاختباء تحت الأرض والهروب ثم الظهور وادعاء النصر، ولكن كيف يمكن لقادة الدول محاكاة سلوك قادة الميلشيات؟
يوهم أمير قطر نفسه ببطولات زائفة تنتظره في حال نجح في الإفلات من قبضة المقاطعة من دون تقديم تنازلات مطلوبة وبإلحاح لتغيير النهج القطري حيال دول وشعوب مجلس التعاون، بما فيها الشعب القطري ذاته، الذي لا ناقة له ولا جمل في هذه السياسات، بل بات ضحية لمغامرات الأمير ونزواته السياسية.
السؤال الآن: كيف يسعى الأمير للهروب من قبضة المقاطعة؟ وماهي الدلائل على ذلك؟ في الجواب على ذلك أشير إلى حملة إعلامية قطرية مكثفة تركز على استعطاف الغرب ومنظمات حقوق الإنسان، التي تمتلك قطر معها علاقات عميقة من وراء الكواليس، بل هناك منظمات أسستها قطر في الغرب خصيصاً كي تكون «تحت الطلب» لإصدار بيانات وتقارير تخدم مصالح السياسة الخارجية القطرية.
التركيز الإعلامي القطري كان يفترض أن يتمحور حول تقديم أدلة براءة القيادة القطرية من دعم الإرهاب والتورط في تمويله كما تؤكد دول المقاطعة، فالعقل والمنطق يقول إن المهم الآن هو دحض وتفنيد هذه الاتهامات التي يمكن أن تقود الأمير إلى «الجنائية الدولية»، وتقديم براهين البراءة منها، ولكن ما يحدث يبدو مغاير لذلك تماماً، فالتركيز يتم على الترويج لصور وقصص وروايات إنسانية عاطفية مزعومة نسجت خصيصاً لاستدرار التعاطف الغربي، بدعوى أن الشعب القطري يتعرض لحملة تجويع وحصار إنساني!!
بالتأكيد تمتلك الآلة الإعلامية والسياسية القطرية خبرة طويلة في «الفبركة» والخداع وتسويق الأوهام، وتستعين في ذلك بخبراء الكذب والتزييف في تنظيمات الإرهاب، مثل حركة حماس والأخوان المسلمين وحزب الله، الذين يملؤون الدنيا ضجيجاً وصراخاً عندما يجرح أصبع أحدهم، في مالا يبالون بمقتل عشرات الأبرياء في مناطق شتى من العالم سواء بسبب تورطهم المباشر في التدبير والتنظيم والتمويل والتخطيط، أو بسبب التعاطف مع الأفكار التحريضية التي يروجونها عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
لا أشك أن السعودية والإمارات ومصر وبقية الدول التي قررت التصدي للإرهاب القطري، تدرك أبعاد هذه الممارسات القطرية، وقد صدرت في ذلك قرارات مهمة بالفعل لتفويت الفرصة على قطر لتنفيذ خطة الهروب إلى الإمام وخلط الأوراق ولعب دور الضحية في ما يحدث من حولها، رغم أنها أحد أخطر الجناة والمتورطين الرئيسيين في كل ما تشهده منطقتنا والعالم من جرائم!!
لن تفلت قطر هذه المرة، ولن تفلح خطط الخداع والتمويه في تهريب الجاني الحقيقي من أبواب خلفية، فالجريمة مثبتة وواضحة بالأدلة والقرائن والشهود، والدولارات التي دفعت لتنظيمات وزعماء الإرهاب في العراق تكفي لإحالة ملف القيادة القطرية إلى الجنائية الدولية، ناهيك عن محاكمتها شعبياً بتهمة إهدار المال العام القطري وانفاقه في تمويل تنظيمات الإرهاب بحثاً عن أدوار قيادية لأمير يسكنه الغرور وجنون العظمة!!