د.عبدالإله ساعاتي
لعل من نافلة القول أن استقرار هذه البلاد وتماسكها ووحدتها.. من استقرار وتماسك ووحدة أسرة آل سعود العريقة.. الذين يمثلون صمام أمان وحدة واستقرار المملكة العربية السعودية.. وتعكس الشواهد الماثلة تقديراً عميقاً من قبل أفرادها لمسؤولياتهم التاريخية تجاه قيادة هذه البلاد وشعبها.. في صور يندر أن نجد مثيلاً لها في أي مكان في العالم.
هذا «الاحترام» البالغ من الصغير تجاه الكبير.. وهذا «الدعم» العميق من قبل الكبير تجاه الأصغر سناً بعيداً عن المناصب والمسؤوليات.
وهذا التفاهم اللافت والمسؤول بين أفرادها.. والإدراك العميق للدور المهم للأسرة تجاه البلاد وشعبها.. حيث تتقدم مصلحة البلاد على كل ما عداها من تطلعات.
« نموذجاً « مضيئاً ومشرقاً تقدمه لنا وللعالم هذه الأسرة العريقة مجدداً في الانتقال السياسي السلس والمباشر والواضح للمسؤولية القيادية وحركة التجديد المطلوبة في مفاصل الدولة مواكبة لمتغيرات العصر ومستجداته.. تمثل في تعيين سمو الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد خلفاً لسمو الأمير محمد بن نايف الذي قدم جهودا كبيرة في خدمة بلاده يحظى إزاءها بكل التقدير والامتنان.
حيث كان سمو الأمير محمد بن نايف أول المبايعين لسمو الأمير محمد بن سلمان بولاية العهد في مشهد رائع لا تجده سوى في المملكة وبين أفراد هذه الأسرة العريقة.. حيث يقبّل سمو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد الجديد يد سمو الأمير محمد بن نايف ولي العهد السابق ويجثو على ركبتيه احتراماً وإكباراً.. مؤكداً عدم الاستغناء عن دعمه ومشورته..
وفي ردهات قصر الصفا بأطهر البقاع مكة المكرمة شرفها الله وفي ليلة من ليالي الشهر الفضيل المرجحة ليلة القدر تتجسد هذه المعاني النبيلة التي لا تجدها سوى في بلادنا الغالية.. سمو ولي العهد الجديد يعبِّر للأمراء الكبار الذين توافدوا لمبايعته في قصر الصفا.. عن احترامه الكبير وتقديره العميق لهم فيقبّل أياديهم وأكتافهم بكل تواضع وعظيم احترام.
استقرأت وأنا أتابع هذه المشاهد الكبيرة الرائعة ما قاله روبرت لاسي Robert Lacey في كتابه (في داخل المملكة Inside the Kingdom) عن تقاليد الأسرة السعودية العريقة في وضع مصلحة البلاد دوماً في المقدمة واصطفاف الجميع تجاهها مهما كلف الأمر.
ولقد حرصت مؤسسة الحكم على تكامل حلقات المبايعة الشرعية والنظامية والقانونية بمباركة المؤسسة الدينية ممثلة في مفتي عام المملكة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ الذي أعلن مبايعته وأعضاء هيئة كبار العلماء لولي العهد.. وكذلك مبايعة المؤسسة التشريعية للبلاد ممثلة في معالي رئيس مجلس الشورى الشيخ عبدالله آل الشيخ الذي صرَّح بمبايعته وأعضاء المجلس لسمو الأمير محمد بن سلمان بولاية العهد. وبالطبع قبلها كانت مبايعة الأمير محمد بن نايف للأمير محمد بن سلمان بولاية العهد..
أما الشعب السعودي الوفي.. فإن الالتحام بينه وبين قيادته السنية ظل على مدى التاريخ نموذجاً مضيئاً.. حيث توافد أفراد الشعب حضوراً في قصر الصفا بمكة المكرمة.. وفي جميع مناطق ومراكز المملكة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة مؤكدين مبايعتهم لسمو الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد على السمع والطاعة في المنشط والمكره.
وبذلك راعت مؤسسة الحكم جميع المسوغات والإجراءات الشرعية والنظامية والقانونية للتعيين.
لتخرس بذلك تقولات المتخرصين وأرجاف المغرضين الذين أسقط في أيديهم هذا الالتفاف التاريخي المشهود والمعهود للشعب مع قيادته الرشيدة.
تذكرت وأنا أتابع هذه المشاهد التاريخية ما قرأته أخيراً في كتاب الكاتبة الأمريكية (ساندرا مكايٍ Sandra Mackey) في كتابها (السعوديون The Saudis) حين تحدثت عن الالتحام بين القيادة والشعب والانتقال السلس للسلطة في المملكة العربية السعودية والذي يندر وجود مثيل له في دول العالم..
ولهذا فإن التاريخ شهد ذهاب القوى التي عادت المملكة بينما ظلت المملكة شامخة قوية أبية على مدى التاريخ.
أما الأمير محمد بن سلمان الذي ارتضته الأسرة السعودية ولياً للعهد من خلال هيئة البيعة بـ31 صوتاً من بين 34 صوتاً.. وارتضاه الشعب السعودي الذي سارع إلى مبايعته أفواجاً.. وبايعته المؤسسة الدينية والمؤسسة التشريعية.. وارتضاه المجتمع الدولي عامة من خلال اتصالات وتهاني ملوك ورؤساء الدول وفعالياتها المختلفة.. وفي مقدمتهم رئيس أكبر دولة في العالم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الذي سارع إلى الاتصال بالأمير محمد بن سلمان مهنئاً له بالمنصب الجديد.
لماذا الأمير محمد بن سلمان..
أما لماذا الأمير محمد بن سلمان.. فإن الجواب هو لأن الأمير محمد.. أمير شاب مبدع وموهوب يتمتع بصفات القيادة الفطرية.. وصاحب رؤية خلاقة.. يأتي في ظل ظروف صعبة وتحديات سياسية واقتصادية واجتماعية.. تحتاج إلى قيادة شابة نوعية تتمتع بموهبة الإبداع والابتكار والحلول غير التقليدية.. ولديها رؤية عميقة لمستقبل مشرق بمشيئة الله تعالى.
لقد قدم سمو الأمير الشاب محمد بن سلمان نفسه للشعب السعودي من خلال جهد دؤوب وكفاح عملي كبير في داخل المملكة العربية السعودية وخارجها.
ففي خارج المملكة جاب سموه العالم في جولات مكوكية متنقلاً بين دوله ليقدم رؤية المملكة السياسية والاقتصادية ويضيء آفاق التعاون والشراكة مع دول العالم في الشرق والغرب.
ونجح في أكبر دولة في العالم الولايات المتحدة الأمريكية نجاحاً باهراً في تحقيق تحوّل للسياسة الأمريكية لصالح توجهات المملكة.. ونجح في إقناع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بالخطاب السعودي والرؤية السعودية.. ليحظى بدعمه المطلق للسياسات السعودية واعتماده السريع للشراكات المختلفة بين البلدين.. وعبّر الرئيس الأمريكي عن إعجابه بشخصية الأمير علناً حين وصفه بأنه صاحب حكمة تفوق سنه.. وكان الأمير محمد أول مسؤول عربي يزور الرئيس الأمريكي..
وفي روسيا الدولة العظمى الأخرى نجح الأمير محمد بن سلمان في إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برؤية المملكة وسياساتها والتأسيس لأوجه التعاون المختلفة بين البلدين. وعبّر الرئيس الروسي عن إعجابه بشخصية الأمير الذي وصفه بأنه رجل دولة نشط يعرف ماذا يريد ويعتمد عليه في تحقيق ما يريد.
وتوج الأمير محمد بن سلمان نجاحاته الدولية بتنظيم (القمم الثلاث) التي عقدت في الرياض بحضور (55) زعيم دولة.. يتقدمهم رئيس أعظم دولة في العالم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.. وذلك في حدث تاريخي عالمي غير مسبوق.. أعاد ترتيب أولويات وإستراتيجيات العالم.. ودحر عن المملكة أي فرصة ترميها بالضلوع في أي توجهات إرهابية.. بل أكد هذا الحدث العالمي التاريخي أن إيران هي رأس حربة الإرهاب في العالم.
وفاجأ الأمير محمد بن سلمان العالم بتأسيس (المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف) الذي يوظف لغة العصر لغة التقنية لكشف وتحليل ومكافحة الفكر المتطرف الذي يبث عبر التقنيات الحديثة في أي مكان في العالم.
وعلى الصعيد العسكري استطاع الأمير محمد بن سلمان برؤية عميقة ثاقبة أن يشكل التحالف العسكري الإسلامي ليكون قوة إسلامية إستراتيجية للتصدي للإرهاب في أي مكان في العالم.
أما ما قدمه الأمير محمد بن سلمان في داخل المملكة.. فلقد أسس لمستقبل تنموي مزدهر من خلال رؤية إستراتيجية تنموية طموحة تتضمن برامج تنفيذية نوعية متنوعة.. لتشكل حلولاً غير تقليدية لتنمية شاملة تهدف إلى البناء والنماء بعيداً عن الارتهان إلى النفط.. وهو ما استهدفته خطط التنمية العشرة ابتداء من خطة التنمية الأولى التي صدرت في عام 1970.. حيث ظل هدف تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للطاقة.. إلا أن جميع هذه الخطط فشلت في تحقيق هذا الهدف رغم مرور نحو نصف قرن من عمر الزمن لاعتمادها أساليب تقليدية نظرية عتيقة.
واستطاع الأمير محمد بن سلمان أن يحول بوصلة الاستثمارات السعودية إلى حيث المستقبل.. إلى حيث التقنية العصرية التي تسود العالم آنياً ومستقبلياً.. حيث التقى رؤساء أكبر شركات التقنية العالمية في (السليكون فالي Silicon Valley) في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية بهدف التأسيس لمستقبل جديد للاستثمارات السعودية وفق المتغيرات العصرية.. ورسم خارطة استثمارات عالمية جديدة.. فوقع شراكات مع مايكروسوفت وسيسكو وسوفت بنك للتكنولوجيا ومنصة نون للتجارة الإليكترونية وشركة أوبر.. وغيرها.
ففي عامين فقط أحدث الأمير محمد بن سلمان تحولات سياسية واقتصادية وتنموية كبرى.. وحقق مكاسب دولية واسعة.
والأمير محمد بن سلمان كشاب يمثل أمل الشباب في البلاد الذين يشكلون أكثر من 60% من المجتمع السعودي.
وأخيراً - أقول إن تعيين سمو الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد.. تثبيت للنهج السياسي والتنموي الشمولي على المدى المستقبلي.. وتكريس لواقع الإستراتيجيات المستقبلية.. وتأسيس لمستقبل مشرق لهذه البلاد بمشيئة الله تعالى.
داعياً المولى عز وجل أن يديم على هذه البلاد كريم نعمائه وأن يحفظ قادتها ويوفقهم لما فيه خير البلاد والعباد.. إنه سميع مجيب.