سعد بن عبدالقادر القويعي
في صباح يوم الأربعاء الـ26 من رمضان 1438هـ، كنا على موعد مع اختيار صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز وليا للعهد، وتعيينه نائبا لرئيس مجلس الوزراء، مع استمراره وزيرا للدفاع؛ انطلاقا من النظام الأساسي للحكم، ومن نظام مجلس الوزراء، ومن نظام هيئة البيعة، والتي تأتي بموجب المادة السادسة من نظام الحكم الأساسي في المملكة، والتي تنص على أنه: «يبايع المواطنون الملك على كتاب الله، وسنة رسوله، وعلى السمع، والطاعة في العسر، واليسر، والمنشط، والمكره»، كما تنص المادة السابعة من النظام - نفسه - على أنه: «يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله، وسنة رسوله، وهما الحاكمان على هذا النظام، وجميع أنظمة الدولة»؛ وليكون هذا الحدث مناسبة لتجديد البيعة، والتعبير عن الولاء للقيادة السعودية، وللأسرة الحاكمة؛ وتجسيدا للروابط الوثيقة التي تجمع بين الرعية، وولاة الأمر في هذه البلاد المباركة، وسيبقى مشهد البيعة - حينئذ - مهيباً حين تجتمع الأمة على قلب رجل واحد، وتمضي إلى الأمام.
نظام البيعة تفرَّدت به الحضارة الإسلامية عن مثيلاتها من الحضارات الإنسانية، - باعتبار - أن البيعة عقد شرعي بين الراعي، والرعية، تتم على كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، لا على مطالب دنيوية، أو مآرب شخصية. وهي تعني التزام كل منهما بالنصح لله - تعالى -، وللأمة، والتزام كل منهما بحقوق الآخر، فكما أن للوالي حقوقاً، فإن للرعية حقوقاً - كذلك -؛ ولأن البيعة عقد أمان، وسلام، وتناصح، ورعاية للمصالح، والحقوق، يخرج بها المسلم من حال الجاهلية، فقد توعد النبي - صلى الله عليه وسلم - من لم يعرف قدر البيعة، ولم يلتزم حقوقها، بقوله: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية «، فالبيعة - إذن - موروث، وعقد اجتماعي بين الحاكم، والمحكوم، والراعي، والرعية، على وعي، وإدراك، بأنّ من مصلحة الوطن أن ينضم الجميع تحت لواء ولي أمر قد ارتضاه الجميع.
من جانب آخر، واستنادا إلى التأصيل الفقهي في علم السياسة الشرعية، والنظام الدستوري في ما يخص نظام الحكم، والدولة في الإسلام، وتطبيقاتها العملية، سنجد أن هناك عضداً، وسنداً للحاكم في تسيير أمور الدولة، يطلق عليه «ولي العهد»، وهو ما أشار إليه - الإمام - الأيجي في كتابه «المواقف»، من ثبوت ولاية العهد، وجواز تنصيب نائب للإمام، قامت الأدلة عليهما شرعاً، وإجماعاً، واستناداً إلى وقائع في عصور الحكم الراشدي، كتولية أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - عهده عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - . وكعهد عمر بن الخطاب لأهل الشورى؛ ليختاروا منهم من يخلفه. ولهذا أجمع السلف الصالح على جواز العهد في النازلتين، والعمل به، ولم ينكر ذلك منكر، فأصبح قاعدة سياسية شرعية معمولا بها، نص عليها الفقهاء في أحكام السلطنة، والعز، والصولة في معالم نظم الدولة. ومن هنا تأتي بيعة المواطنين للملك، ولولي العهد بموجب النظام السياسي في المملكة، والذي يستمد بدوره هذا النهج من الشرع.
إحدى شواهد هذا العهد، أن ظلت مراسيم البيعة، والانتقال السلس للسلطة، ومبايعة ولي العهد شاهدا على التلاحم العظيم بين أفراد، ومسؤولي الأسرة الحاكمة، وسعيها الحثيث لاستقرار مفاصل الدولة. وهو حدث عظيم في مسيرة المملكة العربية السعودية من الناحية الدينية، والتاريخية، والحضارية، واتباعاً لمنهاج النبوة، وملازمة لجماعة المسلمين، ونصحاً لولاة أمرهم. ولا أبالغ إن وصفت مشهد البيعة، بأنه يعد أنموذجاً رائعاً، وفريداً من نوعه بين الأنظمة الملكية؛ وليؤكِّد - أيضا - تماسك الأسرة المالكة، وترابطها، وحرصها على أمن، واستقرار البلاد.