علي الخزيم
صورتنا بين المجتمعات تبدو بأجمل حالاتها ونحن نستبشر بقدوم شهر رمضان، ونتبادل الرسائل لاهتبال الفرصة الروحانية للفوز برضا الرحمن، وما يلزم هذا من الحرص على صحة الصيام والقيام والصدقة؛ وهذه يُجهِّز لها الكثيرون فئات من النقود لتقديمها للمساكين والتسابق لنيل فضل الصدقة، رائع هذا المجتمع الذي يخطّط ويتبارى لنيل شرف أجر الشهر الكريم، وفي العشر الأواخر نتسابق نحو الأسواق لشراء كل جديد من الملابس والعطور كمؤشر للاهتمام بمناسبة عيد الفطر المبارك، فبآخر ليلة من الشهر تشرئب الأعناق باتجاه القنوات المحلية لالتقاط خبر ثبوت دخول شهر شوال وأول أيام العيد؛ الأفراح تغمر القلوب أملاً بإتمام الشهر وختامه بالعفو والمغفرة، واستقبال مراسم العيد بالبهجة والحبور، ابتسامات الشفاه الجذلة تتناثر هنا وهناك والعيون غير تلك العيون في ليالينا الماضية التي اكتنفها الخشوع واحتواها الورع وأدَّبتها روحانية الصيام، ابتسامات العيد تعلو كل مُحيَّا لكن ماذا يجول بالقلوب؟!
الروحانية والورع الرمضاني درس يتكرر كل سنة ليؤكد لنا أن ما تلقيناه يجب أن يستمر كمنهج حياة، كل مضامين الصيام وأجور القيام والدعاء خلاله إنما هي تكريس وتأكيد على مبادئ يلتزم بها المسلم طيلة حياته لتستقيم وترتقي قِيَم المجتمع والأمة.
الأكثرية ولله الحمد ملتزمة بهذه الفضيلة والشعائر الإسلامية الحميدة، غير أن فئة - هداهم الله - تتحول وتتوقف مشاعرهم الروحانية مع إعلان ثبوت هلال شوال، تعود عندهم الأنفس إلى غِلِّها وكراهيتها وحسابات (التشِرِّه والقيل والقال)؛ ونبش ملفات كان يجب أن تُلغيها الروحانية الرمضانية، ثبت أن من بين الإخوان والأقارب من يعايد الآخرين كعادة لئلا يلحقه العتب وتناله الملامة، وسويعات صباح العيد حين التزاور راقب ابتسامات البعض وطريقة سلامهم على آخرين بالمجلس، ستلمح فيها تلوّن الحرباوات ومراوغة الثعالب، حاول أن تدقق النظر بملامح ذاك المخادع المعروف لديك الذي يُمَثِّل أمامكم بأنه الودود النقي؛ اجعل عينيك تلتقطان ابتساماته بمشاعر الاستغراب والاستنكار المشوب بالشفقة عليه؛ سترتسم أمامك صورة ثعلب مكار مُحترف الخداع، بدليل أنه منذ سنين لم يتغيّر ولم تؤثّر بعقله أو نفسه روحانيات أشهر متتالية من شهور الرحمة والمغفرة، كيف يمكنني أن أصدِّق أو أطمئن لمثل هذا المُتلوّن حتى وإن كان من أقرب الأقارب؟! لا سيما إذا استنفدت كل الوسائل لصلة الرحم وللتقارب معه كمنهج وامتثالاً للشرع الحكيم، هل يلزمك - والحالة هذه - الاستمرار بتلقي الجفاء والإهانة من مثل هؤلاء، قد يقول قائل (استمر)، وأقول: حينما تبرأ ذمتي وتنفد وسائلي؛ فإن كرامتي ليست رخيصة ليدوسها بقدمه بكل مناسبة! يقول الإمام الشافعي:
«إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة
فلا خيرَ في ودٍ يجيءُ تكلفا»
ولو اخترت هنا التواصل والتراحم بين الإخوان، فإن العرب قبل الإسلام وبعده كانت لهم شيم وأُصُر وروابط بين الأخ وأخيه لا يحيدون عنها ويتواصون بها ويتوارثونها، ولكعب الغنوي بأخيه:
«فلو كانت الدنيا تباع اشتريته
بما لم تكن عنه النفوس تطيب»