من أعظم ما شرَّف الله به أمة محمد - صلى الله عليه وسلم- إنزاله كتابه الكريم عليها، فهدى به من الضلالة، وسلم به من الغواية، وأنجى به أمة من ظُلَم الجهل وغياهب الضلال، ولذا فإن أعظم معجزات النبي صلى الله عليه وسلم هو هذا القرآن العظيم، عصمه الله من الخطأ والاختلاف {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} سورة فصلت(42) وقد بين الله تعالى أنه سبب للرفعة والعلو فقال سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} سورة الزخرف(44) .
أعجزت بلاغتهُ فصحاءَ البيان وأبهرَ جمالُهُ أهلَ اللغةِ واللسانْ، تنصتُ لتلاوتِه الملائكة، ويصغي لبيانه الأنسُ والجان، فيه أنسُ المستوحشين، وأمنُ الخائفين، وحُكمُ العادلين، والسلامةُ يومَ الدين {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} سورة هود (1).
لا يدانيه قولٌ ولا يماثلُه كلام، إعجازه في فصاحته وبيانه، وفي حسن قصصه وصدق أخباره، وفي عصمة آياته وشمول أحكامه، اتسم بالعظمة والجلال، والحكمة والكمال.
فمن أخذ به وعمل بمقتضاه وأكرمه أكرمه الله ورفع ذكره. أهله هم أهل الله وخاصته، والله تعالى يخلق ما يشاء ويختار فاختار من يشاء بفضله ليستعمله في خدمة كتابه وحفظ آياته، تعليماً وتفسيراً وحفظاً وعملاً وطباعة ونشرا، وممن منَّ الله تعالى عليهم بخدمة القرآن والعناية به وتوقير حفظته إمام المسلمين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -أيده الله ونصره- فقد كان من المعتنين به منذ صغره، غرس فيه وفي إخوته حب القرآن والده المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه وجعل الجنة مثواه، فأول ما يتعلم أبناؤه كتاب الله تعال ، وعين لهم المعلمين الأكفاء لذلك؛ حتى ختم خادم الحرمين الشريفين كتاب الله وهو في سن العاشرة من عمره، في مستهل شبابه، على يد المربي الشيخ عبدالله خياط إمام الحرم المكي، فبدأ عمره المبارك بهذا العمل المحمود الذي له أبلغ الأثر في تكوين شخصيته وزكاء نفسه، واستمر معه هذا الاهتمام الشريف طيلة تدرجه في المناصب وصولاً للحكم في هذا العهد الزاهر، فعلاقته -حفظه الله- بكتاب الله قديمة، فبدأ بتعلمه والعمل به منذ صغره واستصحب ذلك في كل أطوار حياته، فعمل على خدمة كتاب الله وإكرام حملته، حتى صار في هذا الوقت هو الخادم الأول للقرآن الكريم، يهدي ملايين النسخ منه لكافة دول العالم كل سنة، ويرعى تطبيقه والعمل به دستوراً حاكماً على كل أنظمة البلاد، وينص في كل كلمة له ويبين في كل محفل ومناسبة أن هذه البلاد قامت على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وعلى الصعيد الشخصي يعرف الجميع حرصه على مداومة تلاوة القرآن وتعليم أبنائه وتربيتهم على تعاليمه، وحثه الدائم على تعظيم كتاب الله، وأن كل الخير والسعاة إنما تكون بالأخذ به.
فهنياً لنا بملك وقائد هذه سيرته وإمام همام هذه شمائله، أمده الله في عمره وأكرمه برضاه وحفظه ومتع به وأرضاه.
وقد شرفت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بقبول خادم الحرمين الشريفين الدكتوراه الفخرية في خدمة القرآن وعلومه التي منحتها الجامعة لمقامه الكريم، ومدلولات ذلك مشرفة وتبعث على الفخر والسعادة للموطنين كافة ولمنسوبي جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية خاصة؛ وذلك أن عموم الناس يسعدهم ويبهجهم عناية إمامهم وولي أمرهم وقائد بلادهم بكلام الله تعالى واهتمامه بعلومه وسعيه في خدمته، فذلك أمارة خير للجميع وبه يدفع الله كل شر ويحل معه كل خير وهذا من فضل الله تعالى ومنته، وأما منسوبو جامعة الإمام وعلى رأسهم معالي الوزير مدير الجامعة وعضو هيئة كبار العلماء الشيخ الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل -سلمه الله- فإني أقدم لهم التهنئة بهذا الشرف ونيل هذا الوسام الكريم من إمامنا ووالدنا وقائد نهضتنا خادم الحرمين الشريفين، ويزيد المسؤولية على كافة العاملين في الجامعة من أعضاء هيئة تدريس وإداريين، فجامعتهم جامعة الريادة والمبادرات لها مكانتها العالية، وثقلها العلمي، ومنزلتها المميزة، حتى حظيت بتشريف خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- بقبوله الدكتوراه الفخرية في خدمة تشرَّف بها وهي خدمة كتاب الله والعناية به.
ومن تمام نعمة الله لخادم الحرمين الشريفين أن اختاره الله واصطفاه لخدمة الحرمين الشريفين والقيام على شؤونهما وتهيئة كل ما يعين الحجاج والمعتمرين والزوار على أداء نسكهم على أحسن وجه وأكمل طريق.. فجمع الله له أشرف الشرف وأعلاه وهو خدمة الحرمين الشريفين وخدمة كلام رب العالمين.
ختاماً: فإني أشكر الله تعالى مولي النعم وصارف النقم على كل نعمه، ثم أشكر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز-أيده الله- على تشريفه الجامعة بقبول درجة الدكتوراه الفخرية في خدمة القرآن وعلومه، وهو مستحق لكل وسام شرف يستحقه من يخدم كتاب الله وسنة نبيه والحرمين الشريفين وقاصديهما.
والشكر مبذول لمعالي الوزير شيخنا الأستاذ الدكتور سليمان بن عبدالله أبا الخيل مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء على جهوده المشرفة التي نراها تباعاً على كافة الأصعدة والمجالات وفي داخل المملكة وخارجها، حتى أصبحت الجامعة منارة في العلم والدعوة، وشاهداً قائماً على الجميع بين الأصالة والمعاصرة، وقناة خير وخدمة للمجتمع، وفي كل يوم نشهد ما يبهج ويسر من أعمال علمية ومبادرات وطنية، لا يمكن أن تكون لولا توفيق الله تعالى ثم عمل دؤوب يقوده معاليه -سلمه الله- ومن عمل معه يعلم بأنه لا يقبل التواني وضعف الأداء في العمل، فشكر الله له.
** **
- وكيل المعهد العالي للقضاء لشؤون الدورات والتدريب