د. جاسر الحربش
عندما يصدر على إحدى الشركات الأمريكية أو الغربية عموما حكم قضائي بعدم صلاحية منتجاتها في الداخل، ماذا تعمل؟. بكل بساطة تذهب للخارج، تختار لها وكيلا، تبني مصانع ومختبرات وتبيع هناك ما منعته عليها دولة المنشأ. ثلاثة أشياء تتوفر في أفريقيا وبعض آسيا وأمريكا اللاتينية: الإنسان رخيص والوكلاء المحليون منزوعو الضمائر والرقابة النوعية غير متوفرة.
أحيل إلى مقال الكاتب العراقي عباس خفيف بتاريخ 22 يونيو 2016م في صحيفة المرسى نيوز المعتمدة من نقابة الصحفيين العراقيين، وعنوان المقال: ما هو دور شركات البذور والزراعة الأمريكية في تدمير العراق؟ شركة مونسانتو نموذجا.
عراقيون كثيرون حقوقيون وأطباء، بعضهم أمريكي من أصل عراقي وجهوا اتهامات صريحة إلى بعض الشركات الأمريكية بتدمير الإنتاج الزراعي في العراق، بعد أن فرضها بول بريمر على وزارة الزراعة العراقية. الطبيبة والناشطة الحقوقية الأمريكية من أصل عراقي السيدة داليا وصفي وجهت اتهاما مباشرا إلى شركة مونسانتو بتسويق بذور معدلة جينيا في العراق اتضح أنها كانت تنتج محصولا واحداً ينتهي ببذور عقيمة لا تنتج بعد ذلك. في الهند نهاية ثمانينيات القرن الماضي تسببت شركة مونسانتو في القضاء على محاصيل القطن في إحدى المقاطعات وتشريد مئات الآلاف من الفلاحين الهنود بعد أن باعتهم بذور قطن معدلة جينيا ً تقاوم الآفات القطنية لكنها عقيمة النهايات مثل بذور القمح بالعراق.
من ضمن الشركات الأمريكية التي قدمت نفسها للسوق السعودي كانت شركة مونسانتو.كثرت بعد الزيارة التغريدات والمقاطع الإلكترونية عن هذه الشركة التي تسبقها سمعة مشبوهة ومحفوفة بعدة مرافعات قضائية ضدها في بلدها الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، وأصبحت ممنوعة من العمل في كندا وكامل الأراضي الأوروبية.
شركة مونسانتو الآن أصبحت عابرة للقارات لأنها ترتبط بشركات أبحاث ومعالجات للتربة والمحاصيل وبالتلاعب الجيني بالمواصفات الوراثية للنباتات والمحاصيل والبذور، بالإضافة إلى أبحاث تذهب عميقا بالمستقبل الغذائي النباتي والحيواني للإنسان. ليس مستغربا أن تتشارك الشركات العملاقة العابرة للقارات في بعض المشاريع فهذا الوضع موجود ومغطى للأسف قانونيا ً حتى فيما يخص أبحاث أشد المواد سرعة للقتل والتصحير الكيميائي واستثارة العواصف المدمرة واستمطار السحب في أزمنة جني المحاصيل. السبب في هذا التشابك هو تغول رؤوس الأموال الكبرى وحرصها على ألا يسبقها المنافس في أي مضمار نافع أو ضار.
نحن هنا في هذه البقعة الجافة والشحيحة بالإنتاج الزراعي والحيواني لا نملك فرصة المغامرة، ولا تتوفر لدينا الإمكانيات لتخصيص بقعة زراعية محددة للأبحاث الفائقة السرية والغرائبية. أصبحنا نعرف ذلك من انتشار السوسة الحمراء وهي مجرد آفة طبيعية في مزارع النخيل على نطاق واسع وانتشار أنواع من الأعشاب المبيدة للمحاصيل لم تكن موجودة عندنا من قبل لكنها حضرت من الأعلاف والبذور تماما ً مثلما تسللت المخدرات مدسوسة في البضائع الاستهلاكية رغم حربنا ضدها على مدار الساعة.
بحثت في عدة مواقع فوجدت ما يشير إلى أن شركة مونسانتو واحدة من الشركات التي يجب على الدول النامية أن تحذر الدخول معها في مغامرة شراكة. الأمر أكثر من مهم والموضوع من صميم مسؤوليات وزارة الزراعة والتجارة وهيئة الغذاء والدواء وحماية المستهلك، ولا فكاك ولا عذر لهذه الجهات من وقفة وطنية حاسمة ضد الموت بالجوع والكيميائيات المسرطنة.