د. عبدالواحد الحميد
نقلة أخرى جديدة وتاريخية سوف يحققها مرفق القضاء في الفترة القادمة إن شاء الله وذلك بصدور الأمر الملكي فجر يوم السبت الماضي الذي نصَّ على تعديل اسم «هيئة التحقيق والادعاء العام» ليكون «النيابة العامة» كما هو المعمول به في الدول المتقدمة. وبالطبع، تتجاوز أهمية الأمر الملكي مجرد تعديل الاسم، فتعديل الاسم بحد ذاته يمكن أن يتحقق بيسر وسهولة ولا يتطلب إجراءات كثيرة ولا يترتب عليه أثرٌ كبير ما لم يصاحبه تغييرٌ في تنظيم الجهاز، وهذا ما تضمنه الأمر الملكي التاريخي المهم.
إن أهمية هذا التعديل تتمثَّل في أنه يحقق مبدأ الفصل بين السلطات، فالنيابة العامة هي جزء من السلطة القضائية ولذلك كان لزاماً أن يتم فصلها عن السلطة التنفيذية بحيث تعمل باستقلالية تامة كما هو الحال في البلدان التي حققت نضوجاً في تجاربها التشريعية والتنظيمية. وقد جاء في الأمر الملكي أن هذا التعديل يأتي «نظراً للصفة القضائية لأعمال هيئة التحقيق والادعاء العام، وتمشياً مع القواعد والمبادئ النظامية المتبعة في العديد من دول العالم، وبما يتفق مع القواعد والأحكام الشرعية، ولأهمية وضرورة الفصل بين السلطة التنفيذية في الدولة والهيئة وأعمالها باعتبارها جزءاً من السلطة القضائية، ومنحها الاستقلال التام في مزاولة مهامها؛ بما يضمن لها مباشرة عملها بكل حياد، ودون تأثير من أي جهة كانت».
وللتأكيد على استقلالية النيابة العامة جاء في الأمر الملكي أن النيابة العامة سوف ترتبط مباشرة بالملك و»تتمتع بالاستقلال التام وليس لأحدٍ التدخل في عملها»، وسوف تقوم هيئة الخبراء بمجلس الوزراء بمراجعة نظام هيئة التحقيق والادعاء العام، وذلك بالتعاون مع الجهات الأخرى ذات العلاقة، ومراجعة نظام الإجراءات الجزائية وجميع الأنظمة والأوامر والمراسيم الملكية ذات الصلة، من أجل اقتراح التعديلات التي تتفق مع الهدف من تحويل هيئة التحقيق والادعاء العام إلى نيابة عامة وذلك خلال تسعين يوماً من صدور الأمر الملكي.
ويأتي هذا التغيير الجذري ليضاف إلى جملة من الإصلاحات والخطوات التطويرية التي تزايدت وتيرتُها في السنوات الأخيرة بشكل ملموس وذلك للنهوض بمرفق القضاء. وقد شمل هذا التطوير العديد من الإجراءات والتنظيمات وكذلك الجوانب الفنية التقنية التي سهلت على المتعاملين مع مرفق القضاء إنجاز معاملاتهم وقضاياهم.
سوف نلمس داخلياً الكثير من الإيجابيات لهذا التعديل، وسوف يلمسها المستثمر الأجنبي، وهذا مكسب كبير لأن المملكة ذات ثقل اقتصادي بالغ على الساحة الاقتصادية العالمية وترتبط بشراكات وعلاقات تجارية واسعة مع بقية دول العالم تترتب عليها مسائل قانونية وجوانب قضائية مهمة.