عروبة المنيف
تتزايد الجهود الدولية التي تقوم بها هيئات الإغاثة والمنظمات الدولية حول العالم عن طريق حشد مواردها لإغاثة الشعوب المتضررة، حيث تتصدر في هذه الأيام الأضرار الناجمة عن كوارث الحروب، فقد أنهكت الحروب منطقتنا العربية مخلفة دماراً عظيماً. وتعمل «منظمة الصحة العالمية»، متصدرة الجهات الدولية الأخرى فيما يتعلق بالصحة العامة بجهود حثيثة في مكافحة الأمراض والأوبئة في مناطق الحروب المنكوبة، فقد وقعت المنظمة مؤخراً اتفاقاً مع «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية» بقيمة 8.3 مليون دولار لدعم جهود مكافحة الكوليرا في اليمن.
تسعى «منظمة الصحة العالمية» جاهدة من أجل مكافحة الأمراض المعدية في العالم، فقد أعلنت المنظمة عن انخفاض حالات الإصابة بمرض شلل الأطفال إلى نسبة 99 % بفعل حملات التطعيم وذلك منذ عام 1988 إلى عام 2015، ليعود المرض مطلاً برأسه من جديد، متفشياً في إحدى «بلدان الحروب المنكوبة» مهدداً أطفالها بالعجز والموت، حيث تشير التقارير إلى أنه، نتيجة للظروف الأمنية السيئة في «محافظة دير الزور» في سوريا، والتي تسيطر عليها «جماعة داعش الإرهابية»، فقد تعذر وصول التطعيمات ضد مرض شلل الأطفال إلى تلك المحافظة، ناهيك عن تدهور الوضع الصحي والبيئي هناك أيضاً، ما أدى إلى تفشي المرض فيها، فقد أعلنت المنظمة إصابة ثمان وخمسين حالة شلل أطفال من النوع الحاد منذ بداية الشهر الحالي فقط. وأكدت المنظمة أنه ما دام هناك طفل مصاب بالمرض في أي مكان بالعالم فجميع الأطفال معرضون للإصابة به.
كارثة أخرى وبائية حلت باليمن نتيجة «الحروب ضد الإرهاب» أيضاً، فقد أعلنت سلطات مدينة صنعاء التي تسيطر عليها «مليشيات الحوثيين الإرهابية»، حالة الطوارئ في العاصمة اليمنية واعتبارها مدينة منكوبة بسبب انتشار مرض الكوليرا الوبائي بها، فارتفعت أعداد الإصابات بما يفوق قدرة النظام الصحي على السيطرة، وقد توفي» 953» شخصاً في ستة أسابيع ويشتبه بإصابة 100،000 حالة، وتهديد حياة 300.000 شخص خلال ستة أشهر قادمة، وتنتشر العدوى في العاصمة اليمنية نتيجة انهيار منظومة الصحة العامة لتشمل تلوث المياه والطعام وانتشار النفايات، ويستقبل مستشفى سبعين في صنعاء كل دقيقة مصاباً واحداً على الأقل بالكوليرا، غالبيتهم من النساء والأطفال.
كوارث الحروب لا حصر لها، وأكثرها وجعاً، تلك المتعلقة بانهيار النظام البيئي والصحي الذي يهدد حياة الآلاف من المدنيين، فإطلاق الأعيرة النارية وشيوع ثقافة القتل والتدمير سيرافقها بدون شك إطلاق للأعيرة البيئية الوبائية، فهي تبيد وتقتل بوتيرة أسرع. والحرب البيولوجية ليست عنا ببعيدة.
كفانا قتلاً، ومرضاً، وفتكاً بإنسانيتنا، متى تفيق منطقتنا من غيبوبتها التي طال أمدها، إن ثالوث التخلف المتمثل بـ»الجهل والمرض والفقر» لا يزال مستوطناً في المنطقة، لقد كبر وبلغ أشده فحمل وخرج من رحمه مولوداً مشوهاً يدعى «الإرهاب»، نما في ظل الفقر وترعرع في كنف المرض لتستمر وتشتد علينا نوائب الجهل. ولكن ماذا عسانا أن نقول؟