فوزية الجار الله
بعد يوم طويل من الصيام في مثل هذا الطقس الحار تبدو بأمسّ الحاجة إلى الهدوء والاسترخاء، وأبعد عن الصخب والضجيج إن كنت إنسانًا واعيًا مسؤولاً.
كلما اتجه الإنسان إلى النضج كان أكثر انتقائية في متابعته الوسائل الإعلامية. فعلى سبيل المثال: قنوات التلفزيون التي تتصدر قائمة الاهتمام لدى الأطفال والشباب من صغار السن تصبح في أدنى القائمة. وفي زمننا هذا، مع هذا الانتشار الهائل للقنوات الفضائية، أصبح الإنسان الواعي أكثر انتقائية، ومع ذلك لا يزال هناك متابعون للتلفزيون.. أشعر بالتعاطف مع أولئك الذين تشدهم المسلسلات الرمضانية التي تبدو مغمورة بدءًا وانتهاء بفيض من الإعلانات المكررة التي تستغرق جل الوقت، تذكرني بتلك المجلات الدعائية الملونة التي تجد فيها أحيانًا محتوى كتابيًّا بسيطًا، تكاد لا تراه؛ ما يفقدك متعة القراءة؛ فأنت قد تجد - على سبيل المثال - عشر صفحات مكتوبة مقابل ثلاثين صفحة من الإعلانات.. أي غثاء هو ذاك؟!
وفي هذا السياق لا يحظى التلفزيون بكثير من اهتمامي، لكنني أطلع أحيانًا على بعض ما يعرض هناك، إما عبر الشاشة أو خلال ما يكتب حولها في وسائل التواصل الاجتماعي. من تلك المسلسلات مسلسل عادل أمام الذي يبدو مثابرًا منذ سنين على تقديم مسلسل تلفزيوني واحد على الأقل أثناء الشهر الكريم. هذه المرة كان المسلسل تحت عنوان (عفاريت عدلي علام). وقد قرأت بعض التعليقات حوله. لا أنكر أنني من المتابعين لأعماله القديمة على وجه الخصوص، لكن يبدو أن هذا المسلسل لم يكن بمستوى تاريخ عادل أمام الفني. يخيل إلي أن عادل جلس مع ابنَيْه رامي وإمام، وربما بعض المهتمين بالفن من أصدقائه، وأخذوا يفكرون ما الذي يمكن أن يقدموه هذه المرة؟ لقد استهلكوا الكثير من القضايا والمواضيع؟! فما الذي يمكن طرحه الآن؟ قال أحدهم: ما رأيكم بالعفاريت؟! هتف الآخرون بصوت واحد: «نعم، وجدناها (برافو عليك)؛ لم نتحدث عنها منذ زمن؛ ولا بد أن تكون مثيرة».
اللافت في الأمر تلك الأجور الهائلة التي ينالها الفنان تمامًا كما هو لاعب الكرة مقارنة بالكتّاب والأدباء الذين لا ينالون سوى اللمم، بينما تتقد أرواحهم لإضاءة عتمة الحياة وإرواء الآخرين بنبض الحياة كأجمل ما تكون، ما بين جمال اللغة وروعة المعاني وتدفق الأفكار.. ولن أقول تفنى أعمارهم ما بين البحث والقراءة والكتابة؛ فتلك متعة وابتلاء لذيذ؛ تبتهج به أرواحهم.
على سبيل المثال، قرأت أن أجر عادل إمام بلغ 45 مليون جنيه مصري. مبلغ هائل، اللهم لا حسد. لو قام أحد الكتّاب بتأليف ما يقارب خمسين كتابًا قيمًا لن يصل إلى خمسة عشر في المائة مما يحصل عليه الفنان أو لاعب الكرة!!
وختامًا، طوبى للصامتين الحامدين.