حبيب عن الأحباب شطَّتْ به النوى
وأي حبيب ما أتى دُونه البُعْدُ
ما أصعب فراق الأحبة من والدين وإخوة، ومن زملاء الدراسة ورفاق الدرب..، فبينما كنت منسجماً في حديث مع بعض الأصدقاء إذا برنين هاتف زميل الدراسة بدار التوحيد بالطائف الأستاذ الفاضل الشاعر الأديب علي بن محمد العيسى يُعزّيني في رحيمهم الفاضل زميل الدراسة الأستاذ الحبيب محمد بن عبدالعزيز القاسم - رحمه الله - فكل من احْتضنته أم المدارس «دار التوحيد بالطائف» نَعُدُه زميلاً لقوة الترابط والتآلف بين طلابها، ولو لم يكونوا زملاء فصل..،
كما أن السكن بالقسم الداخلي «المهجع» للطلبة المغتربين هناك.. عامل قوي في توطيد العلاقات الأخوية فيما بينهم، فهم كالأسرة الواحدة في مأكلهم جميعاً ومباتهم في غرفهم كثيرة العدد..،
فقد تأثرت كثيراً لذاك النبأ المحزن جداً الذي حمل خبر رحيل الرجل الفاضل محمد «ابو الوليد» الذي قضينا معه، ومع الزملاء من الأيام أحلاها:
بلاد بها كنا ونحن نُحبها
إذ الناس ناس والزمان زمانُ
وقد لحق بزملاء فصله العشرة آخرهم الزميل عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ الذي طوته يَد المنون يوم الأحد 13-2-1438هـ رحمهم الله جميعاً، ولم يبق منهم سوى الأخوين الكريمين الأستاذ إبراهيم الشلفان، والأستاذ عبدالرحمن بن صالح السدحان - أبو صلاح - متعهما المولى بالصحة التامة.
يتساقطون على الدروب كأنهم
ورق الخريف يَهُزّه الإعصارُ
وهذه سنة الله في خلقه حياة ثم موت إلى أن يأذن الله بنهوض جميع الخلائق من مضاجعهم ليوم النشور يوم الحساب..،
ولقد ولد ابو الوليد في بلدة «الحُريّق» بلد آبائه وأجداده إحدى بلدان الوشم بنجد الواقعة على مقربة من مدينة شقراء، وعاش طفولته بين والديه ، ومع إخوته.. وقد حفظ بعض السور من قصار المفصل من كتاب الله العزيز، مع تعلم الخط والكتابة بطريقة بدائية.. تهيئة لإلحاقه بالمدرسة الابتدائية ليسهل عليه مسايرة أقرانه ولِدَّاتِه كأمثاله من الصبية الصغار في ذلك الوقت حتى حصل على الشهادة الابتدائية بنجاح وتفوق، بعد ذلك شخص لمواصلة الدراسة بدار التوحيد في مدينة الطائف هو وشقيقه الأكبر عبدالله - رحمهما الله - وعدد من أبناء منطقة الوشم حتى نال الشهادة الثانوية بها عام 1373- 1374هـ مواصلاً الدراسة بكلية الشريعة بمكة المكرمة حتى حصل على الشهادة العالية بها عام 1377هـ وكان طموحاً عالي الهمة حيث طلب الابتعاث للحصول على الماجستير بالولايات المتحدة الأمريكية، فكأن الشاعر المتنبي قد همس في أذنيه قائلاً:
إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
فعاد حاملاً شهادة درجة الماجستير من هناك..، وتم تعيينه بوزارة المعارف، واستمر متدرجاً في عمله حتى عُين مديراً عاماً للثقافة بالوزارة، ثم انتقل وكيلاً مساعداً لوزارة البترول حتى أنهى خدمته المدنية حميدة أيامه ولياليه، وكان محبوباً لدى زملائه في الدراسة، وفي العمل معاً لما يتمتع به من دماثة خلق ولين جانب مع الصغير والكبير:
وأحسن حالات الفتى وأجلها
تواضعه للناس وهو رفيع
ولنا معه ومع شقيقه الأكبر عبدالله ذكريات جميلة.. فقد كان منزلهما الواقع شرقي مباني دار التوحيد بحي السلامة ملتقى لأحبتهما ولزملائهما، - رحمهما الله - فما أحلى ذكريات الدراسة بدار التوحيد بالطائف والدار جامعة لهم..،
كما لا أنسى زيارته لي في منزلي قبل وفاته بشهور هو وأحد أنجاله النجباء ، وعدد من الزملاء رغم ما يعانيه من بعض الأمراض.. وفاءً منه، وكأنها زيارة مودع..، وقد انتقل إلى رحمة الله بمدينة الرياض يوم السبت 15-9-1438هـ مخلفاً ذرية صالحة ولدان: وليد و وِسَام وثلاث بنات فاضلات ، ولك أيها القارئ الكريم أن تتصور حال ابنيه وأفراد أسرته بعد عودتهم وإيداعه تحت طيات الثرى في ملتقى الراحلين، وقد خلا منزله منه ـ كان الله في عونهم:
وأحسن الحالات حال امرئ
تطيب بعد الموت أخباره
يفنى ويبقى ذكره بعده
إذا خلت من شخصه داره
تغمده المولى بواسع رحمته ومغفرته، وألهم أبناءه وبناته واخاه عبد الرحمن، وعقيلته أم الوليد شقيقة الكاتب الأديب علي بن محمد العيسى وأخيه عبد الرحمن، وأسرة القاسم وآل عيسى وآل البواردي الصبر والسلوان.
** **
عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف - حريملاء