خالد بن حمد المالك
تحاول دولة قطر عبر مندوبيها المنتشرين في مختلف دول العالم وبجهد غير عادي إظهار براءتها من الإرهاب، والزج بكل أوراقها وحججها ظناً بأنها سوف تساعدها وتحميها من الإدانة الدولية، وتمكنها من الالتفاف على الانطباع العالمي الموثق باحتضانها للإرهابيين وتمويلهم مادياً ودعمهم إعلامياً، وبقدر ما تأكد للملأ تأثير مقاطعة دول الخليج ومصر لعلاقاتها الدبلوماسية مع قطر على وضعها اقتصادياً وسياسياً، بقدر ما أظهرته هذه المقاطعة من ردود فعل عالمية متضامنة مع المملكة وشركائها، ومؤيدة في كل الخطوات التي اتخذتها بحق قطر، مستندة في مواقفها على حقائق ومعلومات ووثائق لا ينفع معها النياح والبكاء القطري، والظهور بمظهر الدولة الصغيرة المظلومة التي يهددها جيرانها الأقوى بالمحاصرة وتجويع مواطنيها كما يدعي بسذاجة سياسيوها وأبواقها الإعلامية، وهو كلام رخيص لا يستند إلى الواقع في شيء، ولا ينسجم مع حق الدول في ممارسة سيادتها على أراضيها لمنع أي أضرار تخطط له الدوحة للوصول إليها.
* *
إن محاولة قطر استعطاف الدول بهذا الشكل المذل، والزعم بأنها دولة مهددة بالحصار اقتصادياً، أو القول بأن الدول الأخرى تستقوي عليها بحكم أنها دولة صغيرة، إنما هو قول لا يتفق مع حقيقة الدور الخطير الذي تمارسه قطر ضد جيرانها، ولا مع التخطيط الذي تقوم به الدوحة لزعزعة الأمن والاستقرار باتجاه جاراتها الدول الشقيقة، ولا يمكن أن يؤخذ ادعاء قطر على محمل الجد لدى الدول الكبرى، بينما تتكاثر أعداد المصنفين إرهابياً سنة بعد أخرى ممن يقيمون في الدوحة، كما أن السلوك القطري المرفوض دولياً تفضحه الأموال التي تنفقها الدوحة لتمويل العمليات الإرهابية، وكذلك الإعلام الموجه لخدمة المؤامرات التي تتبناها الشقيقة الصغرى بالاشتراك مع إيران والإخوان المسلمين وحزب الله وطالبان وحماس والنصرة والقاعدة والحوثيين وغيرهم ممن يتوجس الجار الشقيق من إرهابهم ومن أفعالهم التي تشكل تهديداً لأمن هذه الدول.
* *
فقطر بهذه الصورة السيئة في علاقاتها وتعاملاتها وممارساتها مع جيرانها لا تبدو أكثر من أنها دولة مسروقة من خارطة الانتماء الخليجي والعربي، يقودها ويفعّل إرهابها من يريدون لها أن تكون خنجراً في خاصرة هذا التكوين الخليجي المتماسك بدوله وشعوبه، بمؤامرة كبرى تغير من خارطة منطقتنا، مع تنازع كل من إيران وتركيا على مناطق النفوذ فيها، ووضع اليد والسيطرة على هذا الجزء الغالي من الوطن، الأولى لها أطماعها، وعينها التي لا تنام لإقامة الدولة الفارسية الصفوية، والثانية بأحلامها وأوهامها على أمل أن تعود الخلافة العثمانية، أو الدولة الإسلامية (الإخوانية) التي تتحكم بها أنقرة، وكلها أطماع لا تنطلي على دولنا وقادتنا وشعوبنا، وإن غرر بقطر وأميرها والنافذين فيها، فأكلوا الطعم، ومن ثم تجاوبوا مع المؤامرة، معتقدين أن الموقف الخليجي المهادن سوف يستمر، وأن المؤامرة ستفضي إلى تحقيق إما الهدف الإيراني، أو المطمع التركي، أو بالاتفاق بينهما على تقاسم النفوذ، وهذا حلم يستحيل تحقيقه وبيننا رجل أو امرأة في الحياة.
* *
نعم سُرقت دولة قطر، وأصبحت ألعوبة بيد الآخرين، ولكن هذا الوضع لن يستمر طويلاً، ولن يكون نهاية المطاف لما يدبر في ليل بهيم لدولة قطر، فأشقاؤها في قطر إن فرط تميم ووالده والأسرة الحاكمة فلن تقبل دولنا وقادتنا وشعوبنا بذلك، ولن يسمحوا به، ولن يتركوا الدوحة فريسة لأطماع أنقرة وطهران مستغلين تخاذل وتجاوب السلطة الحاكمة في قطر، على أن المقاطعة الدبلوماسية ما هي إلا بداية وليست نهاية لما يجب أن يكون من أجل تحرير الدوحة من قبضة أعدائها وأعدائنا من دول ومنظمات وأفراد، ولا خير في دولنا إن تركوا قطر وحيدة تواجه مصيرها، أمام كل هذه الأخطار والتحديات، ولا خير فينا إن وقفنا نتفرج وكأنه لا حيلة لنا أمام هذا المد الصفوي والتركي والإخواني وغيرهم، دون فعل وعمل واستجابة لإرادة الشعب القطري الشقيق، فنحن وإياهم جسم خليجي واحد كما في حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم-(إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) وهذا عهدنا ووعدنا على امتداد التاريخ.
* *
وعلى الشعب القطري الشقيق أن يثق ويطمئن بأن إخوانه في المملكة ودول الخليج لن يتخلوا عنه مهما تكالبت الظروف والتحديات عليهم، أو ساءهم ما يتصرف به المسؤولون القطريون المغفلون، فالليل سوف ينجلي عن خطط تصحح الوضع، وتعيد إلى قطر مكانها ومكانتها المرموقة بين أشقائها، وتصلح ما أفسدته سياسات ما بعد الانقلاب على أمير البلاد السابق الشيخ خليفة، حيث إن قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر إنما هو لإنقاذها وفك أسرها من أعدائها، وحماية أمن الدول الشقيقة في الخليج العربي مما يخطط من عدوان عليها، والحيلولة دون امتداد النفوذ الإيراني والتركي إلى أراضينا، والمشاركة مع دول العالم في التصدي للإرهاب، وما إلى ذلك من أهداف تزيل الخوف والهواجس من الدول الشقيقة، خاصة مع استمرار دولة قطر جاذبة للإرهاب في منطقتنا، ومشجعة لاستيطانه في الدوحة، وفق حسابات خاطئة وتقديرات غير صحيحة.
* *
ولا أعتقد أن الأضرار التي لحقت بقطر وبالدول الخليجية الأخرى بعد قطع العلاقات الدبلوماسية ستكون بحجم الأضرار لو أن قطر تركت على ما هي عليه، تمارس مشاغباتها ومشاكساتها وإرهابها ضد الدول الشقيقة، لهذا فإن المبادرة بأخذ القرار الجماعي بقطع العلاقات الدبلوماسية معها، إنما أملته القراءة الصحيحة للسلوك القطري، وقناعة قادتنا بما كانت ستؤول إليه الأوضاع فيما لو تركت قطر تتصرف بغباء على هوى تميم وحمد وحمد، فأهون الشرين إذاً هو ما أخذ به من إجراء حسم الموقف بقطع العلاقات مع الدوحة، وأنهى التهديد الإرهابي المستمر، ومضاعفاته السلبية التي يرى العقلاء أنه ليس هناك من مسؤول عنها غير قطر وأميرها ومن شاركه ذات الموقف السياسي من القطريين وغير القطريين في الداخل والخارج.
* *
لقد كانت السياسة القطرية موضع رصد ومراقبة واهتمام دائم من الدول الشقيقة الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، ولم تغب آثارها وأخطارها عن متابعة المملكة وبقية دول الخليج، فقد لفتوا نظر أميرها الشيخ تميم مراراً، ووقعوه على تعهدات واتفاقيات لإنهاء هذا التهديد المبطن لدولهم، بل إنهم قطعوا العلاقات الدبلوماسية معه من قبل، وأعادوها بشروطهم، لكنه لم يلتزم إلا بالكلام دون الأفعال، فضلاً عن أنه زاد من رتم العلاقات مع أعدائنا ومع الإرهابيين على حد سواء، ما جعل القرار الأخير بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر أكثر حزماً وأشد في تفاصيله من قرار قطع العلاقات السابق، مع التوجه لدى دول الجوار الشقيقة لقطر بعدم الاستجابة لكل المحاولات التي تتم لإعادة العلاقات، ما لم تكن وفق ما يمكّن الجيران من رؤية الدوحة خالية من قائمة الإرهابيين، ومن استعدادها للالتزام بتنفيذ الكثير من التفاصيل المهمة التي أعلن عن بعضها بما في ذلك استخدام قطر لوسائل الإعلام لتقويض الأمن في دولنا، بما لا حاجة إلى تكرار بقية الشروط التي على قطر أن تلتزم بها، لكونها لا تغيب عن البال.
* *
أجل، فإن سرقة قطر من خارطة الانتماء الخليجي والعربي لن تطول، وما هي إلا فترة عصيبة سيليها انفراج الأزمة بشكل سلس، ولكن بالشروط التي يطالب بها الأشقاء والشركاء الذين قطعوا علاقاتهم الدبلوماسية بدولة قطر، وبينها وأهمها الالتزام القطري غير القابل للتراجع بما سيتم الاتفاق عليه، وإلا فإن الشيخ تميم يكون كمن يرضيه استمرار بلاده في حالة سرقة من خارطة الانتماء العربي والخليجي، بينما هو يتحدث عن أنها دولة مستقلة، وتمارس حقها السيادي، ولا تقبل إملاءات أشقائها في اختيار السياسة لبلاده، وهو بذلك لا يفكر إلا باستمرار الإرهاب الذي يصنع في الدوحة، ويهدد أمن الأشقاء بالخطر.
* *
لقد انتهى العبث القطري، مهما علا صراخ مسؤوليها، وأنكروا ما وُثق عليهم من دعم للإرهاب. ولا أعتقد أن الدوحة بعد اليوم - أعيدت العلاقات أو لم تعد - سوف تواصل تنفيذ برنامجها الإرهابي، بل إنها ستكون أكثر حذراً وخوفاً من أن تتجرأ كما كانت تفعل في إيذاء جيرانها، بديل هذا الارتباك الكبير الذي يصاحب دفاعها المستميت لإقناع العالم بأنها ليست دولة إرهابية، رغم أن الأدوات التي تستخدمها لنفي ما هو حقيقي وصحيح هي أدوات لا تلامس الواقع، ولا تتصف بالمصداقية، وتفتقر إلى الأدلة والبراهين المقنعة.