فضل بن سعد البوعينين
أشرت بالتفصيل في مقالات وتقارير وبرامج تلفزيونية متعددة عن الكلفة الاقتصادية العاجلة والآجلة لمقاطعة قطر؛ وأكدت على أن الحكومة والشعب القطري لم يستوعبوا بعد حجم التداعيات الاقتصادية الخطرة المتوقع حدوثها خلال الأشهر القادمة؛ خاصة ما تعلق منها بالقطاعات المالية؛ والعقوبات الدولية المرتبطة بتمويل الإرهاب.
أعود لتناول الموضوع من زوايا أخرى بعد متابعتي لما بثته قناة الجزيرة من تقارير اقتصادية (مطمئنة) عن الإقتصاد القطري وقدرته على مواجهة التحديات والعقوبات الخانقة؛ وتحويل الضرر المدمر إلى الدول المُقاطِعة وفي مقدمها السعودية!.
باتت حكومة قطر أكثر تركيزا على الرسائل الإعلامية المضللة، بدلا من الحلول العملية الموجهه نحو إنهاء المقاطعة وإغلاق ملف الخلاف الخليجي القطري القائم على دعم وتمويل الإرهاب. كما حرصت على تسويق مصطلح (الحصار) دوليا؛ بدلا من المقاطعة؛ والتركيز على إختلاق الجوانب الإنسانية؛ وإغفال ما أتخذ حيالها من إجراءات تُسَهِّل دخول وخروج الأسر المشتركة؛ بقصد إثارة الرأي العام الغربي وإحراج دول الخليج ومصر. ومن أغرب التصريحات القطرية في وصف حالة المقاطعة؛ ما قاله رئيس اللجنة الوطنية القطرية لحقوق الانسان بأن الإجراءات المتخذة ضد قطر «أشد من جدار برلين» ما أثار الكثير من التهكم الدولي بدل التعاطف الذي كان يبحث عنه. فقطر لم تكن يوما جزء من السعودية كي تفصل عنها بجدار؛ كما أنها تمتلك حدودا بحرية مفتوحة واسطول طيران يصنف ضمن الأساطيل الأكبر في العالم، وملاءة مالية عالية تمكنها من توفير احتياجاتها من دول العالم.
وزير الخارجية القطري أشار في بعض تصريحاته إلى أن حكومته «لا تعرف» اسباب الخلاف مع جيرانها، ثم عاد ليربط بين الإجراءات المتخذة ضدها؛ وبين السيادة القطرية واستقلالية قرارها السياسي؛ وهو تصريح يُهدف من خلاله تضليل الرأي العام القطري والخليجي والتغطية على أصل الأزمة المتمثلة في دعم وتمويل الإرهاب والإضرار بدول الخليج والمنطقة العربية.
ومن الرسائل المضللة ما صرح به وزير الاقتصاد والتجارة القطري حين أكد بأن «الموردين لدولة قطر هم من تضرروا من الحصار المفروض عليها. وأن قطر توجهت نحو بدائل استيراد بأسعار أرخص مما كانت تدفعه سابقا»؛ وهو تصريح لا يتوافق مع الواقع المعاش الذي بات المواطن القطري البسيط يتلمسه في الأسواق؛ ويوثقه من خلال مقاطع الفيديو التي تكشف حجم التضخم الذي طال أسعار المنتجات الأساسية في الأسواق القطرية. ضرر الموردين لا يرقى إلى 1 في المائة من الضرر المتوقع على الإقتصاد القطري؛ والتداعيات التي لم يظهر منها إلا مقدماتها التحذيرية.
إستمر هواة التحليل السياسي والاقتصادي؛ والمحرضون العرب بتضليل الشارع القطري من خلال قناة الجزيرة التي كرست برامجها لنفي التداعيات الإقتصادية على قطر؛ مدعية في الوقت نفسه أن «السعودية والأمارات والبحرين يدفعون ثمن العقوبات المفروضة عليها». إختزلت قناة الجزيرة التداعيات الإقتصادية المؤلمة؛ وبخاصة في القطاعات المالية؛ إضافة إلى المتغيرات السياسية الداخلية التي قد تحدث بسبب المقاطعة وملف دعم و تمويل الإرهاب؛ في أزمة «اللبن والزبادي» والمواد الغذائية!!. تسطيح غير مسبوق؛ وخيانة في إبداء الرأي والنصيحة لحماية قطر وشعبها من متغيرات إقتصادية وسياسية حادة لن تتحملها الشقيقة الصغرى قطر.
زعزعة أمن المنطقة؛ وتفكيك مجلس التعاون الخليجي؛ وبث الفتنة وحمل الحكومة القطرية على المكابرة وعدم معالجة ملف الخلاف هو ما تبحث عنه قناة الجزيرة ومن تستضيفهم من العرب الناقمين على دول الخليج المستقرة؛ وفي مقدمها قطر. ما تقوم به قناة الجزيرة؛ وبعض أعضاء الحكومة القطرية؛ ومستشاريها من العرب واليهود؛ يمكن أن يصنف ضمن «الخيانة» الوطنية لا الدفاع عن قطر ومكتسباتها. يتفاجأ كل من لديه القدرة على التنبؤ بالتداعيات المتوقع حدوثها إقتصاديا وسياسيا وأمنيا وإجتماعيا؛ بردة فعل الحكومة القطرية ومنظومتها الإعلامية القائمة على الكذب والمراوغة والهروب إلى الأمام بدلا من معالجة المشكلة وحماية قطر من المخاطر المستقبلية.
تستطيع الحكومة القطرية؛ ومنظومتها الإعلامية؛ المضي قدما في تضليل الرأي العام؛ والهروب إلى الأمام وإنكار أسباب الأزمة الحالية؛ دون أن يؤثر ذلك على المسار الذي إتخذته دول الخليج الثلاث ومصر؛ والمتوقع أن تستمر فيه حتى النهاية؛ مالم تعود حكومة قطر إلى رشدها وتلتزم بجميع مطالبها العادلة؛ وفي مقدمها وقف دعم وتمويل الإرهاب وإغلاق دكاكين المعارضة ومنظومة المرتزقة الإعلامية.
على الدوحة أن تراجع حساباتها وأن تعيد تقييم الموقف؛ وأن تنظر بعين فاحصة للتكلفة الإقتصادية والسياسية والأمنية التي ستتحملها؛ قبل أن تتعاظم القضية وتتحول من دائرتها الحالية إلى الدائرة الدولية بعد إنضمام دول أخرى متضررة من ملف دعم وتموي ل الإرهاب القطري. العودة إلى الحق خير من التمادي في الباطل؛ فهل تستمع حكومة قطر لأصوات الناصحين أم تمضي قدما لمصيرها المحتوم!.