من يعرف تاريخ المملكة العربية السعودية على امتداد تاريخها الطويل، بخاصة تاريخها منذ بداية تكونّها على يد المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- سيدرك أن سياسة ملوكها رحم الله من مات منهم، وأدام عز ملكنا سلمان بن عبدالعزيز ووليّ عهده (المحمدان) سيجد أنها تسير وفق النفس الطويل، والصبر والحكمة، وعدم التعجل في إصدار الأحكام، ولا تتعاطي مع القضايا وفق العواطف المتهورة، بل تتناولها وفق العقل والتدبر والحكمة، كذلك قارئ تاريخنا سيجد أن سياسة بلادنا تقوم على كراهية الدخول في مهاترات إعلامية لا طائل منها، لكنها حينما يطفح الكيل بها، فإنها على استعداد أن تضع كل الأمور في نصابها وفي الوقت المناسب، وأن بلادنا تحترم حق الجوار، وتسعى إلى التضامن العربي، ويهمها تحقيق الوحدة بين العرب والمسلمين، وتسعى بصدق إلى تحقيق ذلك، وتسبق أفعالها الأقوال، بينما كان منهج سياسات كثير من البلدان العربية تقتات على الدسائس والمؤامرات رغم أنها تتظاهر بالعروبة والقومية، وشعارات الوحدة وخدمة الإسلام، وهي تعمل عكس ذلك، ولهذا يجب أن تعي حكومات دول الخليج قبل غيرها أن «السعودية» تعمل من أجل أمن دول الخليج، كما هي تعمل لأجل أمنها الوطني، وأنها «لن تسمح» بأن يخرج من بين دولها من يمس أمنها واستقرارها، خاصة وأن «إيران» لم يعد يخاف على أحد، إنها تحاول زعزعة أمن دول الخليج العربي، وتسعى لخلق الفوضى بداخلها لتخريب استقرارها، ولذلك فكل السياسات الخاطئة التي نهجتها «قطر» لن تكون مقبولة من الشعوب الخليجية قبل حكوماتهم، ولن يتم قبول منهج أو سياسة تهدف إلى شق صفوف دول الخليج، أو تدعم مليشيات إرهابية ليس لها من هدف أو رسالة إلا إسالة دماء، وإزهاق أنفس بريئة، وإيجاد اضطرابات وفوضى داخل دولهم لخدمة أجندات خارجية، على رأسها الأجندات الإيرانية التي تحركها أطماع توسعية في بلدان الخليج.
ما يصدر من تصريحات من الحكومة القطرية تجاه المقاطعة الخليجية والتي تأخر اتخاذها لأكثر من عشرين سنة يبدو أنها لا ترى في تصرفاتها ما يستحق تلك المقاطعة, وتبرر ذلك بأن ما تقوم به من تصرفات هو حق سيادي, بدليل ما صرح به رئيس الوزراء القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم في مقابلة مع تشارلي روز, بأن قطر لا تقف ضد أي دولة خليجية بوجود علاقات لها مع دول أخرى، سواء مع إيران أو الأحزاب المُعلن عنها كأحزاب إرهابية أو أفراد.
ونقول لقادة الحكومة القطرية الأفاضل رداً على هذا الكلام وغيره, إن علاقة دولة قطر مع بعض الدول أو الأحزاب أو الحركات الإرهابية ممن يتخذون القتل والدمار شعارا لهم لن يحقق للمنطقة السلام, بل يستنزف طاقات دول المنطقة عسكريا واقتصاديا وبشريا, وما تقوم به الحكومة القطرية من ممارسات, سوف يقف عائقا ضد تنمية وتطور المنطقة, ولن يحقق الاستقرار والأمن والرخاء لشعوبها, وخاصة لدولة قطر الشقيقة.
وللنظر للموضوع من زاوية أخرى وفق المنطق والمنظور القطري, فإذا كانت حكومة قطر ترى في علاقاتها بتلك الدول والأحزاب تحقق مصالحها السلمية, فلماذا إذا لا تكسب مكانة عالمية مرموقة في السياسية الدولية, وتتبنى توجها آخر للسلام, وتعمل على حل بعض قضايا المنطقة والنزاعات العالقة.
اتجاه الحكومة القطرية لتوظيف شعبها سياسيا والإساءة إليها وتحويله إلى شعب جائع ومحاصر ومشتت يكشف عن حالة التيه في خطابها السياسي، ويُفصح عن عدم اكتراث من يحكم قطر بمكانة شعبه مقارنة بالشعوب الأخرى، وهو امتداد للتخبطات التي توضّح حجم التأثير الذي أنتجته المقاطعة على صانع القرار القطري، ما يفرض عليه ضرورة المسارعة في تنفيذ ما تعهد به من اتفاقيات تحفظ استقرار وأمن دول الخليج والمنطقة.
** **
- اللواء متقاعد/ ذوقان بن معاشي العطية