هاني سالم مسهور
بعد صيف العام 1994م بدأت جماعة الإخوان المسلمون في اليمن التغلغل في الأوساط الاجتماعية في محافظة حضرموت، ولم تكن حضرموت إلى ما قبل ذلك العام تعرف تشدداً مذهبياً فلقد طغت عليها المدرسة الحضرمية الشافعية وذهبت تأثيراتها إلى أقصى الشرق من آسيا وظهر الحضارمة في ارخبيل إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة يمتلكون قدرة هائلة في الاحتفاظ بدينهم مع موروثهم في التجارة، كانت هذه السمة كذلك في الداخل الحضرمي الذي كان لا يخوض كثيراً في التجاذبات السياسية والمذهبية.
استولت جماعة الإخوان المسلمون على منابر المساجد والجمعيات الخيرية ونجحوا في ظرف عام واحد من السيطرة على المدارس الحكومية، وبدأت المعاهد الدينية بالظهور بشكل متسارع ولافت، بدأت التغييرات تحدث منذ العام 1997م فأخذت مظاهر التشدد الديني تتزايد، وظهرت الخلافات المذهبية بشكل يرسم معالم مختلفة لما بعد سيطرة جماعة الإخوان.
شكلت القبائل اليمنية النافذة أذرعا لها في حضرموت، كان الرئيس علي عبدالله صالح قد وزع على شركائه في حرب 1994م مئات الكيلومترات من الأراضي والمخططات، في حضرموت الوضع يتجاوز مسألة المخططات العقارية، تم توزيع القطاعات النفطية بين الفائزين في تلك الحرب، تم إنشاء الشركات بعلامات تجارية دولية لتأخذ من البحر الآلاف من أطنان الأسماك ويتم تصديرها للأسواق العالمية دون أن تحصل حضرموت على حصتها في تلك الثروات المهدرة.
ظهرت قطر عبر دعم مباشر للجمعيات الخيرية، في منتصف 1997م تحديداً كانت قطر تمول (57) جمعية خيرية أكثر من نصفها في سيئون والقطن، من هذه الجمعيات بدأ حزب التجمع اليمني للإصلاح باستقطاب الشباب للانضمام لعضوية الحزب، نشر موقع (شبوة برس) الإخباري ما يلي نصه:
(شرح عضو سابق في حركة الإخوان المسلمين الدولية اليمن الفرق بين شروط وأساليب الالتحاق بالحركة الدولية وفرعها اليمني «حزب الإصلاح اليمني».
وقال العضو السابق في الحركة الحضرمي «محمد بامدهاف» المقيم حالياً في مملكة السويد كلاجئ في منشور رصده موقع «شبوه برس» أن حزب الإصلاح ينتمي له الفرد عبر بطاقة حزبية، أما تنظيم الإخوان فيكون الانتماء عبر البيعة التي تتم بحضور مشايخ وبسرية تامة، وقد أديت البيعة للإخوان المسلمين في عام 2010م بمدينة المكلا بحضور مشايخ عدة، وأستطيع أن أقول إن الاخوان المسلمين تنظيم سري موجود في كل محافظة، وهناك أشياء تحدث صعب أتحدث عنها، وأشخاص أعرفهم يقومون بأعمال سرية حتى أقرب الناس إليهم لايعرفونها، وقال «بامدهاف» بالنسبة لي بحكم أنني كنت فردا سابقا بالتنظم فأني أعرف كل كبيرة وصغيرة وخروجي خارج البلد منذ خمس سنوات وعدم العودة السبب الوحيد في أني لازلت أعيش حتى الآن).
بعد أن صنفت المملكة العربية السعودية جماعة الإخوان أنها إرهابية في العام 2013م ، حدثت إشكالية كبرى ضربت قواعد الجماعة في المدن الرئيسية في حضرموت، آنذاك حصلت الجماعة على تمويل قطري ظهر في قدرة حزب الإصلاح على جمع حشود وإن كانت ضئيلة لتأييد ثورات مصر وتونس وسوريا وليبيا، قناة الجزيرة القطرية التي لم تكن تملك مكتباً في حضرموت كانت تصور من سيئون أكثر من مرة وقفات رمزية تبثها عبر قناة الجزيرة مباشر لتعزز أن حضرموت ضمن نطاقات نفوذها.
بالعودة إلى تقرير «شبوة برس» جاء فيه نصاً (حزب الإصلاح يستقطب الأطفال ويغسل أدمغتهم عبر سنوات عدة بطرق عدة منها الانضمام لفرق تطوعية أو دورات صيفية، وكل ذلك ليس لله بل لأجل أن يكون الفرد يوماً ما عضوا في جماعة الإخوان المسلمين التي هي سرية بشكل لا يتصوره أحد، لدرجة أن الشخص لا يعرف أحدا من أهله أنه عضو في جماعة الاخوان السرية، وأول حاجة يتعلمها الشخص هي السرية والكتمان، ويتم اختباره على مدار سنوات عدة قبل انضمامه للتنظيم، وهناك شيء آخر يسمى السمع والطاعة، وهذا أخطر شيء وهو أن الشخص ينفد الاوامر التي يتلقاها من دون أي سؤال أو استفسار, طبعاً غير الاشتراكات التي تدفع شهرياً وهي 5% من الراتب الشهري، وغيرها من الأمور السرية التي تخص التدريب العسكري الذي يجري في مناطق نائية وبعيد عن أعين السلطات الرسمية).
تكشف هذه الشهادة حجم ما يكمن في حضرموت وكيف سقطت المُكلا بيد تنظيم القاعدة بدون مقاومة عسكرية تذكر، سيطرة جماعة الإخوان على مفاصل كثيرة من المجتمع الحضرمي كان قادراً على أن يتم مساومة حزب التجمع اليمني للإصلاح للتحالف العربي بعد أن انطلقت عاصفة الحزم مما دفع بجماعة الإخوان لتسليم المُكلا لذراع من أذرعتهم (أنصار الشريعة)، وبعد أن ضمنوا أن بيدهم حضرموت أعلن حزب الإصلاح تأييده لعاصفة الحزم، وهو الذي كان وحتى بداية العمليات يتفاوض مع الحوثيين على تسوية سياسية تُقصي الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي عن السلطة.
لولا ضخ المليارات من الأموال القطرية لما استطاعت جماعة الإخوان خلال عشرين عاماً من التواجد المؤثر سياسياً واجتماعياً في حضرموت التي تغرق منذ سنوات في أتون صراعات وخلافات نشأت بعد أن بثت جماعة الإخوان سمومها في المجتمع الحضرمي، ونجحت للأسف في استقطاب عدد من الشباب الذين يقومون حالياً بعمليات انتحارية إرهابية تستهدف قوة النخبة التي جهزتها السعودية والإمارات وسلمتها إدارة الأمن في ساحل حضرموت بعد تحريرها من العناصر الإرهابية في أبريل 2016م.