عمر إبراهيم الرشيد
يجنح كثير من الصائمين إلى طرق أبواب الخير في شهر الخير التماسًا لجمع الصيام بالبر والصدقة والإحسان. وهذه نعمة يتمناها من يدرك المعاني الجليلة للإحسان، وتأثيره على النفس. وللعطاء أثر عجيب على المحسن أيًّا كان ذلك العطاء، سواء كان مالاً أو معونة مباشرة، كزيارة دار للآباء، أو ما تسمى بدار المسنين (الأفضل التسمية الأولى)، أو أي فعل تطوعي لمن يحتاج إليه، يحس به حتى غير المسلم؛ ذلك أن الفطرة الإنسانية تظل موجودة لمن يتلمس خفاياها في النفس أيًّا كانت ملته. انظر كيف يتدافع نجوم من شتى الخلفيات في مجتمعات غير مسلمة للتطوع في أعيادهم ومناسباتهم أو في الكوارث؛ للتطوع وخدمة المحتاجين والمنكوبين. ولا بد من الاعتراف بأن الحس الإنساني بالمسؤولية الاجتماعية هو عال عمقًا واتساعًا في المجتمعات الغربية نتيجة شيوع ثقافة التطوع منذ فترات زمنية طويلة. علمًا بأن مستوى التعليم والثقافة العامة في أي مجتمع يؤدي حتمًا إلى الإقبال على التطوع والعطاء بشتى ألوانه.
لدينا - ولله الحمد - صدق في الإقبال على التطوع والإحسان - كما قلت - لأنهما مبدآن أصيلان من مبادئ ديننا العظيم. ولا نعدم النصوص الشرعية والتاريخية التي ترفع من شأن العطاء حتى للحيوان، فما بالك ببني البشر. إنما لا بد من الاعتراف بأن بعض أعمال الخير والتطوع ينقصها التنظيم والتطوير وابتكار الأساليب الجديدة والجاذبة لهذه القيمة الإنسانية، مع ضعف في التواصل مع الجمهور أيضًا. أذكر أني سجلت بياناتي عن طريق (تويتر) في إحدى الهيئات التطوعية قبل سنة أو أكثر، ولم يصلني حتى اللحظة أي رد أو طلب! أعجبني خبر قرأته قبل أيام عن عشاء يقيمه رجل الأعمال الأمريكي ورن بافيت لمن يرغب في حضوره من الجمهور، وبالطبع يقع اختيار الضيف الذي سيحظى برفقة ورن بافيت في ذلك العشاء مقابل مبلغ بطريقة المزاد، وكانت قيمة العشاء 2680000 دولار دفعها من فاز بمزاد حضور عشاء مع هذه الشخصية الشهيرة، على أن يذهب هذا المبلغ بالكامل لمؤسسة غلايد الخيرية في سان فرانسيسكو التي تقدم العون والغذاء والمأوى للمشردين والفقراء والأيتام. (الحكمة ضالة المؤمن فأنى وجدها فهي له) كما قال عليه الصلاة والسلام. قبل أيام وفي بداية هذا الشهر الفضيل قامت حملة لإطلاق السجناء المدينين، خاصة من أصحاب المبالغ غير الكبيرة في مدن عدة بالمملكة، وشارك فيها الممثل النشط إنسانيًّا واجتماعيًّا فايز المالكي بمبادراته المعروفة والمتواصلة. حقيقة، هذه المبادرة تشعرك بالفخر والشعور بحقيقة كوننا مجتمعًا إسلاميًّا، يُكبر قيم العطاء والإحسان. وفي تقديري، إن مثل هذه المبادرات أولى من بناء مسجد، لا يبعد عنه آخر آلا أقل من خمسمائة متر أحيانًا. هناك أحياء في شمال العاصمة - كمثال - أحدها يوجد به 25 جامعًا ومسجدًا، تتزاحم في حي صغير، فأين الوزارة من تنظيم هذه المسألة وإقناع أهل الخير بطرق باب للبر آخر، وله أجر بناء المسجد نفسه. وأرجو أن لا يفهم من كلامي أني ضد بناء المساجد على إطلاق الكلمة والعياذ بالله، إنما قصدت إما بناء مسجد في حي يفتقر له، سواء محليًّا أو في بلد إسلامي أو غربي، أو بتوجيه المتبرع لبناء دور سكنية للأرامل والأيتام، أو بناء مدرسة أو روضة أطفال، أو إنشاء حديقة تكون رئة خضراء للسكان، وغيرها من أعمال البر وطرقه التي لا تُحصى.. تقبل الله صيامكم.