خالد بن حمد المالك
قطار الإرهاب القطري كان يتحرك بسرعة من دولة لأخرى لإحداث الفوضى وعدم الاستقرار في دول مجلس التعاون في غياب الصوت الخليجي العاقل، والشركاء الثابتين مع السلطة القطرية في هذه المؤامرات إما معمر القذافي أو ملالي إيران، وكنا من قبل كتبنا بالدليل القاطع، وبالوثائق الصوتية والمكتوبة، عن تآمر شيوخ قطر على المملكة، واليوم يأخذنا قطار إرهابهم إلى حيث البحرين، وأيضاً بما هو مؤكد ومسجل بالصوت الذي لا تملك الدوحة القدرة على إنكاره.
* *
هذه الأعمال الجبانة المتكررة لا يقدم عليها عاقل، ولا يمارسها رجل رشيد، ولا يفكر بها إلا من لديه نزعة عدوانية، حيث يجد نفسه في حالة استمتاع مع مشاهد الدماء تسيل على الأرض، فيما أن الأنقاض والفوضى والحروب الأهلية هي الوجبة اليومية الشهية لدى شيوخ قطر، وإلا فأي تفسير يخطر في الذهن لهذا العبث القطري الذي تقوم به الدوحة ضد أقرب الشعوب والدول لها إن لم تكن هذه الشقيقة الصغرى المشاغبة تستمتع فعلاً بالآثار المدمرة لمؤامراتها وإرهابها وعدوانها على جيرانها.
* *
فتشوا عن أي أسباب أخرى تبرر لقطر هذا الحق في كل ما فعلته على مدى سنوات طويلة، دون شعور بالذنب، أو حس إنساني، أو أخذ بمبدأ حسن الجوار، ولن تجدوا غير أنها تتلذذ وهي ترى عدم الاستقرار في دول شقيقة يجمعها معها ما لا يجمعها في القربى بأي دولة عربية أخرى، ثم إذا ما ووجهت بأفعالها الشنيعة مثبتة وموثقة بما يدينها، وبما يحمّلها مسؤولية هذا التدخل السافر في شؤوننا الداخلية، يكون موقفها الإنكار والنفي والتكذيب، وأن ما تتهم به غير صحيح، رغم كل القرائن والإدانات والوثائق التي أصبحت في متناول الجميع.
* *
فقطر تتذاكى بغباء، وتعتقد أنها بالمال -والمال وحده- تستطيع أن تقلب الطاولة على من يعارضها، وأنها بمالها يمكنها أن تطوّع الجميع للاصطفاف مع مواقفها، وأن دول الخليج لن تأخذ بموقف مضاد لسلوكها حفاظاً على وحدة واستقرار دول المجلس، وأن آخر ما يمكن أن تفعله التزامها الصمت أمام الجرائم التي تكون الدوحة الرأس الكبير في تمويلها والتخطيط لها، غير أن ما فات على شيوخ قطر، أن استمرائهم لممارسة العدوان على هذا النحو الذي كشفته التسجيلات الصوتية والوثائق المكتوبة، اضطر المملكة والإمارات والبحرين ومعهم مصر لأن يضعوا حداً لسياسة الصبر الطويل، والمهادنة التي لم تفض إلا إلى توسيع رقعة ونوعية مؤامرات قطر ضد أشقائها، فكانت السياسة الجماعية بقطع أي صلة مع دولة قطر، درءاً لما يمكن أن يتطور مع استمرار إرهابها فيمتد إلى ما هو أخطر وأكثر مما حدث حتى الآن.
* *
الجديد في مسلسل الإرهاب القطري، ليس مما كشفته التسجيلات الصوتية من قبل، بل سيكون هذه المرة من البحرين التي أوذيت كثيراً من التدخل القطري، ومن استخدام الدوحة لعملاء إيران في خلق الفوضى، وممارسة التخريب، ومحاولة تغيير نظم الحكم بما يحقق رغبة إيران، ويجعل دول المنطقة في حالة من عدم الاستقرار، وفي هذه التسجيلات الصوتية تبدو قطر بشيوخها مغفلة، وجاهلة، بما يمكن أن تؤثر أفعالها بالارتداد على أمن الدوحة ومستقبلها، وهي التي لا تملك من الإمكانات في الدفاع عن نفسها، وفي الحيلولة دون أطماع إيران بها، سوى هذا المال الذي تهدره بغير حساب، وفي غير وجهته الصحيحة، وهو لن يفيدها بشيء إذا ما خسرت سندها وقوتها المملكة وبقية دول الخليج.
* *
ماذا تقول التسجيلات الصادمة عن الدور القطري المشبوه في البحرين، وقد أُفصح عنها أخيراً بعد أن ظلت البحرين تحتفظ بسريتها، وتحافظ على عدم تسريبها كي لا تؤثر على علاقات الأخوة وحسن الجوار، حتى إذا ما فشلت هذه السياسة في ردع قطر عن تآمرها على البحرين اضطرت الأخيرة إلى كشف الأوراق، كي تحول دون النفي القطري المعتاد، ومن أنها لا تتدخل في شؤون مملكة البحرين، وحتى تلجم من سينفي حقيقة الإرهاب الذي تمارسه الدوحة ضد البحرين بهذه الحقائق، وبالتالي لا تكون لدى شيوخ قطر فرصة لتنفي ما لا يُنفى، وتكذب ما لا يُكذب، وهو إجراء مناسب، أمام الغباء القطري في عدم الاعتراف بما تقوم به من مؤامرات كان أول من أدانها عليه الشعب القطري الشقيق.
* *
أعتقد شخصياً بحسب ما يتوالى من كشف عن معلومات خطيرة لدور قطر العبثي، وبالحقائق والوثائق والأصوات التي أمامنا، أن جميع الأبواب قد سُدت أمام قطر، وأنه ليس أمامها من فرصة لتكذب ما يتم تداوله حول إرهابها، غير فرصتها الوحيدة وهي أن تعود إلى خليجنا الواحد، وذلك بالاعتراف بما فعلته، والاعتذار عما سببته من أذى لجيرانها، ومن ثم الاتفاق على أن ذلك لن يحدث ولن يتكرر مستقبلاً، موثقاً باتفاق ملزم، وبضمانات لا يمكن لقطر أن تتحرر منها، أو تخرقها كما فعلت في اتفاق سابق، وفيما عدا ذلك فإن مقاطعة قطر، ووضعها في الحال البائس الذي هي عليه سيبقى خيار الدول الأربع، وإستراتيجيتها في التعامل مع قطر، مع تحميل شيوخ قطر ما يلقيه الإرهاب القطري من تبعات وأضرار بحق الشعب القطري الشقيق فالمسؤول عن ذلك من يمسك بالسلطة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
* *
إن تورط قطر في الإرهاب الذي يضرب البحرين، وراح ضحيته الكثير من الأبرياء شأن قطري تمارس الدوحة به حقها السيادي، كما يزعم المسؤولون في قطر، ولا يحق لأحد أن يعترض أو يناقشهم عليه، وفي أحسن الأحوال فإن تجاوبت قطر وسمحت بمناقشتها والحوار بينها وبين الدول المتضررة، ستكون نتائجه الإنكار والنفي المعتادين حاضرين، حتى مع وجود الدليل الصارخ الموثق صوتاً، فإن شيوخ قطر لا يجدون حرجاً بأن يكون هذا هو موقفهم من العمليات الإرهابية المتهمين بها، وكأنهم مغيبون تماماً عن التزاماتهم أمام الدول الأخرى، أو لا يحسنون التعامل معها كما تقتضي بذلك الأعراف والقوانين والدساتير الدولية.
* *
فها هو مستشار أمير دولة قطر حمد خليفة العطية يحرّض على الأحداث التي شهدتها مملكة البحرين في العام 2011م من خلال اتصاله بشكل يومي مع قيادات جمعية الوفاق البحرينية المحظورة، وتحديداً مع رجل الدين الإرهابي حسن سلطان الذي تم إسقاط جنسيته البحرينية، ويعيش حالياً خارج البحرين في لبنان برعاية وتحت حماية حزب الله بعد هروبه من البحرين، ومن واقع الاتصالات، فقد كان العطية ينقل تعليمات رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق حمد بن جاسم إلى قيادات جمعية الوفاق، ووفقاً لرواية صحيفة الأيام البحرينية، فقد عرض في إحدى المرات الحضور شخصياً إلى البحرين للالتقاء بقيادات الوفاق والمدعو عيسى قاسم، كما عرض أن يحضر رئيس وزراء قطر الشيخ حمد إلى البحرين بنفسه أيضاً لذات المهمة، وكانت قطر لا تتردد وبشكل دائم في تلبية كل مطالب واحتياجات العناصر المناوئة للبحرين من أجل الاستمرار في حركة الاحتجاجات، وتأجيج الوضع في البحرين.
* *
وقد تناقلت محطات التلفزة أربع محادثات، كشفت عن الوجه القبيح لقطر، ففي التسجيلات المسربة يظهر حجم التنسيق بين قطر والمعارضة البحرينية التي تدين بولائها لإيران، ففي المكالمة الأولى يصف حسن سلطان قوات درع الجزيرة بأنها قوات احتلال، ويطلب من قطر عدم المشاركة فيها، وقد سارع العطية بعد موافقته على أنها قوات احتلال فعلاً بطمأنته بأن قطر لن تشارك فيها، لأنها تتحفظ على مهمة درع الجزيرة في البحرين، وأن مشاركتها سوف تقتصر على ضابطين فقط مهمتهما المراقبة فقط، وأن تحفظ قطر على المشاركة كان هو سبب رفضها إرسال أي من القوات التابعة لها، كما كان ضمن حديثهما كلام عن اعتراض البرلمان الكويتي على مشاركة الكويت، وكذلك عن نية العطية مقابلته عند زيارته للبحرين هو أو رئيس الوزراء السابق حمد بن جاسم.
* *
المخطط الإيراني القطري ضد البحرين لا تكفيه مكالمة واحدة لدعم المعارضة ضد النظام، ففي المكالمة الثانية قام حسن سلطان بإبلاغ العطية بالتطورات على الساحة البحرينية، بما في ذلك إعلان حالة الطوارئ بناء على طلب العطية، وكان من أهم ما جاء بالمكالمة توقع المعارض بسيل من الدماء مع نزول قوات الأمن إلى الشارع، ليرد عليه مستشار أمير قطر بأن هذا سوف يتم عرضه في قناة الجزيرة، بينما واصل حسن سلطان كلامه بالقول: لم تعد هناك حماية للشيعة في البحرين، وأن ما يجري هو بإمضاء خليجي، وقد وصّلنا صوتنا إلى مرجعيتنا في النجف وفي قم وفي لبنان، حمد العطية من جانبه سأل عن وضع الجيش والشرطة ومن أسماهم البلطجية، وأنه يريد معلومات موثقة حتى يتم عرضها على قناة الجزيرة، وسأل من الشخص الذي أقدر أخلّي أحد يتصل به ويأخذ معلومات منه؟.
* *
وتتواصل المكالمات بين حمد العطية وحسن سلطان، ففي مكالمة ثالثة تم تسمية شخص يقال له خليل مرزوق من قبل حسن سلطان، ليكون مصدر المعلومات المطلوبة لقناة الجزيرة، والمذكور كان نائباً في مجلس النواب البحريني، غير أن العطية أكد على حسن سلطان بأنه يريد معلومات موثقة، مؤكداً بأنه سيكون لقطر موقف مغاير، وما عندها مشكلة في ذلك، ومن الضروري التعاون في الحصول على معلومات صحيحة وأكيدة، حتى لا تظهر قطر قدام الناس - يقول العطية - أنها متهورة في هذا الشيء، وياليت تكون أشياء مصورة وبالتاريخ، وكأن العطية لم يحصل بعد ثلاث مكالمات على كل ما يساعد على تنفيذ جرائمه بحق مملكة البحرين، ولهذا سارع المعارض حسن سلطان في المكالمة الرابعة بالطلب من عطية بأن تقوم قناة الجزيرة بالاتصال بالصحفي طاهر الموسوي، بعد أن قدم المعارض للعطية أرقام هواتف مصادر المعلومات التي تساعد العطية في تقديمها لأمير قطر ورئيس الوزراء السابقين ضمن الاستعدادات التي لم تتوقف لإرهاب مملكة البحرين.
* *
ولا ينبغي التقليل من دور حمد بن خليفة العطية، فالرجل يوصف بأنه العقل المدبر لأمير قطر السابق، وله مكانته الكبيرة لدى أمير قطر الحالي، وهو بمرتبة وزير، وكثير من الأزمات وشحن الأجواء وتوتيرها بين قطر وشقيقاتها يكون له فيها دور فاعل، ولثقة شيوخ قطر به، فقد أوكلت إليه مهمات في تمويل ودعم الإرهاب، يساعده أحياناً في هذه المهمة القذرة شقيقه عبدالعزيز، غير أن ما يهمنا في هذا المقال أن نؤكد على أن الشيخ حمد بن جاسم يعد العطية منسقه في الشأن البحريني، حين كان رئيساً للوزراء ووزيرا للخارجية، ولهذا فإن اسم الشيخ حمد قد ورد في مقاطع من المكالمات الأربع، أي إن الارهاب القطري دائماً ما يكون صناعة بين حمد وحمد وأعوانهما.
* *
ولهذا فلم يكن مثيراً للانتباه أن يتصدر اسم حمد بن جاسم هذه المكالمات بين رموز جمعية الوفاق وحمد بن عطية، حيث ينقل الأخير توجيهاته، واستعداده للحضور شخصياً إلى البحرين للالتقاء بقيادات جمعية الوفاق، مسمياً عيسى قاسم بالاسم ضمن العناصر البحرينية المهمة في إيذاء البحرين، فقطر داعمة للعناصر المناوئة لاستقرار مملكة البحرين، ومحرضة لاستمرار حركة الاحتجاج المسلح، واستخدام العنف في تأجيج الوضع في البلاد، بدليل إصرار العطية على الحصول على معلومات موثقة بالصور عن حالة الهيجان لعرضها في قناة الجزيرة، وهو ما تم فعلاً حيث قام خليل المرزوق القيادي في جمعية الوفاق وطاهر الموسوي العضو الإعلامي في جمعية الوفاق بتقديم ما طلبه عطية منه، الذي بدوره قام بالتنسيق بين قيادات جمعية الوفاق وقناة الجزيرة، بحسب المعلومات التي حصلت عليها الزميلة صحيفة الأيام البحرينية، وبينها أن المستشار العطية طلب في إحدى المرات معلومات عن أسماء وأوضاع القرى البحرينية، وعن مصير المفاوضات التي يقوم بها رئيس جمعية الوفاق آنذاك المدعو علي سلمان مع حكومة البحرين.
* *
هذا بعض ما جرى بين مستشار أمير قطر السابق حمد العطية والمعارض البحريني الهارب خلال أربع مكالمات، جميعها تنضح حقداً وكراهية وإرهاباً، وتكشف عن بيئة قطرية إرهابية يقودها الأمير السابق الشيخ حمد بن خليفة ورئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق حمد بن جاسم، لتضاف إلى ما كان قد سُرب من قبل عن تسجيلات بصوت كل من حمد وحمد يتآمران فيها على المملكة، وإلى المحاولة القطرية - الليبية الفاشلة باغتيال الملك عبدالله بعد أن ألجم الملك معمر القذافي في مؤتمر القمة العربية الذي كان عقد بشرم الشيخ بكلمات عنّفه فيها بسبب تطاوله على المملكة والملك فهد، فلم يكن أمام القذافي إلا الصمت وطأطأة الرأس، والاستسلام والتسليم بموقف الملك عبد الله، وكلها أعمال إرهابية بطلها حمد وحمد وأعوانهما.