نجيب الخنيزي
علينا التفريق أولاً بين السياسات والمواقف القطرية الرسمية، العلنية منها، والمستترة على حد سواء من جهة، وبين الشعب القطري الشقيق الذي تربطه بأشقائه شعوب دول مجلس التعاون الخليجي أواصر التاريخ والجغرافيا، و تشدها الروابط العائلية والثقافية والاقتصادية، وقبل كل شيء المصير والمصالح المتداخلة من جهة ثانية.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل هناك سياسة قطرية منسجمة وواضحة المعالم على الصعد الداخلية والخليجية والإقليمية؟.. أم أن هناك تناقضاً وتفارقاً صارخاً ما بين الأقوال المعلنة والممارسات الفعلية على الأرض؟.. لن أتوسع في رصد تلك التناقضات الصارخة في السياسة القطرية، وسأكتفي بالعلاقة الحميمة والمريبة في علاقة قطر بحركات الإسلام السياسي وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، ناهيك عن دعم وتفريخ التشكيلات العسكرية الإرهابية والمتطرفة في أكثر من مكان.
لا تنفي قطر دعمها واحتضانها لجماعات الإخوان المسلمين تحت مزاعم أنهم جماعات دعوية - سلمية ومدنية، يجري اضطهادها ومطاردتها من قبل الحكومات.. والتساؤل هنا هل هذا يعبر تاريخياً وحاضراً عن توجهاتها الحقيقية؟..
مزجت حركة الإخوان المسلمين على الدوام بين منهجين يبدوان متعارضين، هما تكتيك الأخذ بمبدأ التقية السياسية ومهادنة الحكومات من جهة، ومنهج العنف والتأمر ضدها من جهة أخرى.
كتب حسن البنا «وما لم تقم الدولة الإسلامية فإن المسلمين جميعاً آثمون ومسؤولون بين يدي الله العلي القدير عن قعودهم في إقامتها وقعودهم عن إيجادها». وفي موضع آخر ذكر «الإخوان المسلمون يعلمون أن أول مراتب القوة هي قوة العقيدة والإيمان، ثم تليها قوة الوحدة والارتباط، ثم بعدها قوة الساعد والسلاح».
هذه الانتهازية والتقية السياسية، لم تمنع مؤسس حزب الإخوان المسلمين حسن البنا أن يكتب محرضاً «في الوقت الذي يكون فيه لكم معشر الإخوان المسلمين ثلاثمائة كتيبة قد جهزت كل منها نفسها.. في هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لجج البحر، وأقتحم بكم عنان السماء، وأغزو بكم كل عنيد جبار، فإني فاعل إن شاء الله». وفي موضع آخر يؤكد «ومن قعد عن التضحية معنا فهو آثم». ولتحقيق هذا المبدأ تشكل بصورة سرية «الجهاز الخاص». الطابع العسكري الحديدي للجهاز (الخاص) السري للإخوان المسلمين تمثل في نظامه الداخلي الذي ينص في المادة 13 منه «إن أية خيانة أو إفشاء سر بحسن قصد أو بسوء قصد يعرض صاحبه للإعدام وإخلاء سبيل الجماعة».
من الأعمال الإرهابية التي ارتكبها الجهاز الخاص للإخوان المسلمين في العهد الملكي والتي شملت اغتيال عدد من الشخصيات السياسية والقضائية مثل المستشار أحمد الخازندار ورئيس الوزراء النقراشي باشا، إضافة إلى الشروع في تفجير دور السينما وإحراق مدارس البنات الثانوية والمسارح والمحلات التجارية ومحلات التسجيلات الغنائية الصوتية في وسط العاصمة المصرية.
إثر اغتيال حسن البنا استطاع سيد قطب (1906 - 1966) إن يعمق ويفرض مزيداً من الانغلاق والعزلة والتشدد لحركة الإخوان المسلمين. وفي الواقع لعبت كتابات سيد قطب وخصوصاً كتابه معالم في الطريق دوراً تأسيسياً في بلورة الفكر الجهادي، ومن عباءة الإخوان تناسلت فروعها بما في ذلك حركات الأصولية المعاصرة والتطرف الديني، والمجموعات الإرهابية في البلدان العربية - الإسلامية، حيث امتزجت وتداخلت مع الفكر السلفي وخصوصاً المتزمت منه.
دول الخليج العربي وفي مقدمتها السعودية احتضنت الآلاف من جماعة الإخوان المسلمين المطاردين في مصر وسوريا والعراق وغيرها ووفرت لهم الأمن والعمل في شتى المرافق الحيوية في الدولة، غير أنهم عملوا على تشكيل تنظيمات وحركات «أسلاموية» تحت عنوان « الصحوة» و»الجهاد الأفغاني» مستهدفين بذلك مصادرة المجتمع والدولة في الآن معاً وفقاً لأجندتهم الخفية.
قطر تحولت منذ زمن طويل إلى ملاذٍ ومقر ومنطلق للكثير من العمليات المشبوهة التي تستهدف أمن الدول الخليجية والعربية على حد سواء، إلى جانب دعمها وتمويلها المكشوف للمجموعات الإرهابية؛ كما تفعل إيران حيث تتعاون الدولتان في ذلك، وهو أمر خطير لا يمكن السكوت عنه أو تجاهل آثاره المدمرة على الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة الخليجية والعربية.
وقناة الجزيرة التي أصبحت أداة تحريض ودعاية وتنظيم للإخوان المسلمين، وتحت شعارات مناصرة الشعوب العربية وقضاياها العادلة في الحرية والديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان وهي مطالب مشروعة، غير أنها تناست وتجاهلت كيف أودت قصيدة بالشاعر القطري محمد بن الذيب إلى السجن المؤبد، بعد أن قضت محكمة أمن الدولة القطرية بالسجن المؤبد عليه، بتهمة التطاول على رموز الدولة والتحريض على الإطاحة بنظام الحكم عبر قصيدة رد بها على الشاعر خليل الشبرمي.