د.ثريا العريض
أتابع تفاصيل نشرات الأنباء وتصريحات المسؤولين في الخليج والوطن العربي والعالم.. وأحاول أن أفهم مستجداتنا في الساحة السياسية الإقليمية والعربية والخليجية, وأتألم.. هل من الممكن أن يكون صحيحاً كل هذا السيناريو العبثي الذي تتكشف أسرار تفاصيله أمامنا؟.. رغم رغبتي الشخصية أن يكون الجواب سلبياً, حيث لا أجهل ما حدث في مناطق أخرى في العالم, مثل أمريكا الجنوبية, من أحداث دامية بأصابع خائنة في الداخل, وراءها تخطيط جهات مستفيدة سياسياً وداعمة عسكرياً وممولة من الخارج تحرك الأحداث دون أن تظهر على السطح الإعلامي.
بعض ما يحدث يؤكد الشكوك.. ولدينا بمنطقة الخليج موارد مهمة عالمياً تجعلنا هدفاً من أهداف الهيمنة السياسية من قبل الجيران والقوى العالمية. إلا أن هناك سمات خاصة بالقيادات ذاتها منذ حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران التي دفعنا فيها شعورنا وهويتنا العربية إلى خيار تحمل المسؤولية والوقوف مع العراق؛ ثم حرب الخليج الثانية التي انكشف فيها الوجه الكالح للشقيق العربي, قابيل الذي انقلب 180 درجة ليغزو الكويت.. المؤلم جداً الآن هو الاكتشاف المصيري مرة أخرى وفي أقل من عقدين أن هناك شقيقاً خليجياً أقرب يحمل خنجر قابيل للخيانة والطعن في الظهر للجميع.
البعض يفسر ما يحدث بأنه تجسيد للشعور بالنقص المعنوي, أو حسد للمكانة التي وصلت إليها المملكة العربية السعودية دولياً, أو امتداد لعقلية الغزو التاريخي متى ما توفرت القوة والفرصة ونزعة العقوق. ولكن كل هذا ليس تفسيراً كافياً. فالطموحات لم تتوقف عند الانقلابات الداخلية, بل اتسع نطاقها لتشمل التخطيط لإسقاط حكومات الجوار ودعم ثورات ما سمي «الربيع العربي» في المحيط الأوسع من مصر وليبيا وسوريا ولبنان واليمن.. هذا فوق ما كان يخطط للأشقاء في الجوار الخليجي. سوريالية تناقضات العلاقات المعلنة والسرية لا تفسير منطقي لها سوى هوس متعة إشعال النيران أينما استطاع.
سياسة المملكة العربية السعودية على العكس كانت دائماً العمل على استقرار الجوار والعلاقات الإيجابية مع الشقيقات والجارات؛ من وقوف الملك فهد -رحمه الله- مع العراق ثم مع الكويت, وترحيب الملك عبدالله بالتقارب مع إيران أثناء حقبة رفسنجاني.. ونفس السياسة الإيجابية للمملكة هي التي توجهت لاحتضان مؤتمر الطائف للأطراف اللبنانية المتصارعة, بأمل إعادة الاستقرار للساحة اللبنانية. لم تكن المملكة في أي وقت جزءاً من مؤامرة لقلقلة أمن دولة ما.. بل دائماً قائدة لمساع واضحة للمساعدة على استعادة أمن مفقود.. كما فعلت في البحرين لمنع انقلاب على السلطة مدعوماً من إيران, وكما تفعل في اليمن الآن.
نعم للمملكة العربية السعودية أولوياتها في الحفاظ على نقاء الجوار من أطماع التمدد من أي جهة جاءت. ويحسب لقيادتها حكمتها وعقلانيتها في معالجة من يغلط في حساباته وتصرفاته من الأشقاء والجيران.. حيث تتصدى بحزم مصرة: لا لإشعال النار لإحراق الجوار.