محمد سليمان العنقري
قبل أيام اتخذت وزارة العمل قراراً بتغيير برنامج نطاقات المساندة ليصبح الموازي، في خطوة تعتمد على رفع نسبة التوطين ويسمح للمنشآت بدفع مقابل مالي عن وحدة التوطين الموازي الواحدة والتي تعادل توطين مواطن واحد في احتساب نسب التوطين العامة.
معنى هذا القرار أن المنشأة في حال لم تصل لنسبة التوطين بتوظيف فعلي حقيقي للمواطنين فإنها تدفع مقابل ذلك مبلغاً مالياً عن كل وحدة، أي لو كان مثلاً الوصول لنسبة التوطين الجديدة يتطلب توظيف 10 أو 100 موظف أو أي رقم فإن المنشأة يمكن لها أن تدفع مبلغاً عن كل وحدة، ويتصاعد تدريجياً وفق معادلة وآلية احتساب محددة. وتقول الوزارة إن تلك المبالغ ستذهب للتدريب ودعم التوظيف، وأي منشأة لا تصل للنسبة المطلوبة ولا تدفع مقابل هذا التوطين غير المحقق فعلياً فهو مجرد رقم حسابي، فإنها ستواجه إيقاف خدماتها كعقاب.
فالقطاع الخاص يبدو أنه لم يكن لينتظر مزيداً من الضغوط بتراجع النشاط، بأغلب القطاعات ليأتي ارتفاع التكاليف المفاجئ بالتوطين الموازي والذي سيبدأ في شهر سبتمبر القادم ليكون لبعض المنشآت والقطاعات قاصماً للظهر، فبعض المنشآت قد تدفع جل أرباحها وتدخل بالخسائر بعد تطبيقه خصوصاً تلك التي تعتمد على عمالة عادية كثيفة كعمال النظافة والمقاولات ونشاط الخدمات، وهي ذات دخل ومتطلبات متدنية، فالمبالغ ستبدأ من 3600 ريال وتتصاعد لتتعدى 6000 آلاف ريال عن كل وحدة توطين.
إن هذه الخطوة كنا ننتظرها لكن ليس بالطريقة التي أطلقتها وزارة العمل بل كان المأمول أن تطبق عن كل مهنة أو وظيفة يمكن للمواطن أن ينافس عليها ولدينا مؤهلون لشغلها، إما أن تطبق على المنشآت التي جل موظفيها عمالة عادية ولا يمكن للمواطن القبول بتلك الأعمال نظراً لتدني دخلها والذي يصل لما هو أقل من ألف ريال فيعد ذلك غير منطقي!! ولا يمكن اعتباره سعياً لزيادة التوظيف أو أن التدريب سيثمر عن نتائج تؤدي لخفض البطالة، بل إن ذلك ليس إلا زيادة دخل لصندوق الموارد البشرية فقط والذي يتعدى دخله السنوي - بحسب بعض المصادر غير الرسمية - إلى نحو 17 مليار ريال سنوياً كون الصندوق لا ينشر أي تقارير مالية سنوية.
فرفع تكاليف الوافدين ليكون المواطن منافساً مطلب أساسي لخفض البطالة بل إن وضع رسوم سابقاً على العمالة الوافدة تتحملها المنشآت تم قبوله كخطوة معقولة في حينها لكن الآلية الجديدة ذات خطر كبير على أداء القطاع الخاص، فالأفضل كان تحديد المهن والوظائف التي يمكن للمواطن شغلها ووضع رسوم عليها إذا شغلها وافد لترتفع تكلفته فيصبح المواطن أكثر تنافسية بالحصول عليها، لكن الطريقة الحالية ستؤدي لتآكل القطاع الخاص مع ارتفاع التكاليف التشغيلية، وبالمحصلة سيحصل زيادة في العاطلين بعدم توظيف طالبي العمل الجدد أو العاطلين وبفقدان من هم على رأس العمل لوظائفهم في حال زادت الإفلاسات أو تقليص الأعمال بالقطاع الخاص بدلاً دعمه بأنظمة وبخطط نمو للاقتصاد «الذي يعاني للشهر الخامس من انكماش» مع خفض بالتكاليف ليتمكن من زيادة التوظيف.
ضعف نمو الاقتصاد أدى إلى ارتفاع البطالة إلى 12.3 % من 11.6 % وخفضها يتطلب قرارات حاسمة مثل خطوة التوطين الموجه لقطاعات وتخصصات كطب الأسنان أو قطاع الاتصالات، إذ كانت خطوات ممتازة وذات أثر إيجابي مهم على المدى المتوسط والبعيد، لكن قرار التوطين الموازي فإنه ضربة مؤلمة للقطاع الخاص تضاف لما يعانيه من تراجع حاد بالنشاط والذي سيواجه بالمستقبل القريب العديد من رفع الرسوم كالتي ستقر على العمالة الوافدة أيضاً والضرائب وارتفاع بأسعار الطاقة، فهل سيبقى فعلاً قادراً على الصمود أم سنشاهد المزيد من الإفلاسات وارتفاع بالبطالة وضعف بجاذبية الاستثمار للاقتصاد الوطني مما سيؤدي لتأخر وتباطؤ كبير بتحقيق أهداف برنامج التحول وكذلك رؤية 2030 التي تعتمد على إعطاء القطاع الخاص الدور القيادي بالنمو الاقتصادي ليصل تأثيره إلى 65 %، فهل بقي شيء من تلك الأهداف يمكن تحقيقه مع هذا الزخم الكبير بفرض رسوم عليه وآخرها التوطين الموازي؟