د. عبد الله المعيلي
لكل بداية نهاية، وها هو رمضان قد شدَّ رحاله، مؤذناً بالرحيل، والسعيد من وفقه الله ومكنه، واستطاع أن يقدم ما تيسر له من، أوجه العبادات والطاعات، فقد كان مناسبة إيمانية حتماً سوف يجد كل من تيسر له ذلك لذتها، وأنها فتحت له أبواباً كانت مغلقة، أبواباً لم يلجها من قبل، وربما كان يلجها لمماً مستعجلاً، الآن يشعر أن تلك العبادات والطاعات أضحت متأصلة في سلوكه، ألفها وتآلف معها.
من سمات السلوك البشري أن تكرار ممارسة الأشياء تمكن ممارسها من تثبيتها في سلوكه، فتضحى جزءاً مألوفاً في سلوكه، قد يشعر بضيق إن تخلى عن ممارستها أو تأخر في ذلك، وهذه سمة حسنة تجعل ممارسة ما تعود عليه أمراً سهلاً.
قد تكون ممن يؤجل أداء الصلاة أو يؤخرها عن وقتها، الآن يصاب بوجل وضيق وخوف إن تأخر في ذلك، ربما كان يسرق صلاته، تشده مشاغل الدنيا وهمومها، ويخرج عن أجوائها الروحانية التي يستشعر فيها الإنسان أنه واقف أما رب كريم.
قد تكون ممن لم يستشعر حاجات وآلام المعوزين من فقراء وأرامل، ولم يقدم لهم ما تيسر له من أموال وخيرات، الآن حتماً سوف تجود من مالك وتبحث عن أولئك وتقدم لهم ما يمكنك الله منه، ويقدرك عليه.
قد تكون ممن أدمن على الدخان بشراهة، يستهلك في يومه عدة ( بكتات)، الآن حتماً قلت كمية الدخان التي تشربها، ولهذا عليك أن تستغل الفرصة وتعزم على تقليل الكمية حتى يمكنك الله من ترك هذه العادة المؤذية الكريهة المضرة بالصحة. وبالمناسبة أعجب كل العجب، كيف تقبل المرأة من أن تقترب من زوجها المدخن فضلاً عن تقبيله، نظراً لرائحة فمه الكريهة، التي لا يمكن تحملها.
قد تكون ممن بينه وبين أقاربه قطيعة وبغضاء، بسبب أمور دنيوية لا تساوي أبداً قيمة صلة الرحم بزيارة وسؤال وصدقة، الآن بادر أنت بالتواصل معهم، ونسيان الماضي وأنت الرابح في ذلك الفائز بفضل السبق.
قد تكون ممن يمارس استغلال منصبه، وقد يغل وقد عرفت أن من يغل يأتي بما غل يوم القيامة، هذا فضلاً عن حالة العدم التي تشعر بها نفسياً بسبب تعديك على المال العام، الآن حتماً استيقظ ضميرك، وعرفت أن ذاك الباب حرام لا يخالط مالاً إلا محقه وقلل من بركته، حتماً سوف تعزم على تطبيق النظام، عندئذ سوف تشعر باحترام نفسك وراحتها.
حتماً بعد هذه الأيام الإيمانية الفاضلة، ألفت ممارسة جملة من العبادات، الصلاة في أوقاتها، الزكاة لمستحقيها كما حدده الله في كتابه، ألفت قراءة القرآن، تدبرت آياته فزدت إيماناً، ألفت الصدقات والبذل والعطاء بنفس سخية مؤمنة.
الآن وقد مَنَّ الله عليك بصيام رمضان وقيامه، ومَنَّ عليك بقراءة القرآن، بالصدقات وفعل الخيرات، واكتسبت كل هذه الأوجه من العبادات والطاعات، يجب ألاّ يكون آخر عهدك بها ليلة العيد، بل احرص على التمسك بها، واعقد النية على أن ترمي الماضي بكل صوره التي ربما فرطت فيها وقصرت عن عبادة الله كما شرع وأمر، مارسها في أوقاتها، بكل جد وعزم وحزم على ألاّ عودة للماضي أبداً.
افتح صفحة إيمانية جديدة، وخاطب نفسك، وقل لها: كفى تفريطاً، فقد كنت لاهياً غارقاً في هموم الدنيا ومشاغلها، وقرر من اليوم ألا عودة للماضي إطلاقاً بحول الله وقوته.
اعلم أنك بهذا فتحت حساباً تدون فيه كل هذه الفضائل، حساباً تجده أمامك يوم لا ينفع مال ولا بنون، الدنيا زائلة والآخرة خير وأبقى.